فصل: الوظيفة الثالثة بقايا الأشراف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا **


  الوظيفة الثالثة بقايا الأشراف

وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية في المقالة الثانية أن موضوعها التحدث على الأشراف وهو أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ وقد جرت العادة أن الذي يتولى هذه الوظيفة يكون من رؤوس الأشراف وأن يكون من أرباب الأقلام وإنما أوردته مع أرباب السيوف لأن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر في بعض دساتيره الشامية أنه يكتب لنقيب الأشراف الأميريولايكتب له القضائي ولو كان صاحب قلم‏.‏

وقد رأيت له عدة تواقيع على ذلك مكتتبةً من الأبواب السلطانية وعن نائبي الشام وحلب وغيرهما معبراً عنه فيها بالأميري وتوقيعه في قطع الثلث مفتتح بخطبة مفتتحة بالحمد لله‏.‏

وهذه نسخة توقيع بنقابة الأشراف وهي‏:‏ الحمد لله مشرف الأنساب وموفي الأحساب حقوق ملاحظتهم بغير حساب وجاعل أيامنا الشريفة تحمد الاكتساب‏.‏

نحمده بمحامد حسنة الإيجاد والإيجاب ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة لاشك في مقالها ولاارتياب ونشهد أن محمداً عبده ورسوله ونبيه الذي أنزل عليه الكتاب وشرف به الذراري من شجرته المباركة الأعقاب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً لاتتوارى شمسها بحجاب‏.‏

وبعد فإن خير ماصرفت الهمم إلى تشييد مبانيه وتقييد مهمل رواعيه وملاحظة قاصيه وداني المحافظة على كل مايرفع قدر الآل ويعليه ويرد إليهم عنان الاعتناء ويثنيه‏.‏

ولما كاتب العترة الطاهرة النبوية وراث الوحي الذين آل إليهم ميزاته وأهل البيت الذين حصل لهم من السؤدد آياته وقد سأل الله هو المسؤول لهم القربى وخصهم بمزايا حقيق بمثل متصرفهم أنه بها يحبى وأنها لهم تجبى‏:‏ لما في ذلك من بركاتٍ ترضي سيد المرسلين وتعجبه ويسطر الله الأجر لفاعله ويكتبه وكان لابد لهم من رئيس ينضد سلكهم وينظمه ويعظم فخرهم ويفخمه ويحفظ أنسابهم ويصقل بمكارمه أحسابهم وينمي بتدبيره ريعهم ويتابع تحت ظل هذه الشجرة الزكية مازكى ينعهم ويحفظهم في ودائع النسل ويصد عن شرف أرومتهم من الأدعياء المدعين بكل بسل ويحرس نظامهم ويوالي إكرامهم ويأخذهم بمكارم الأخلاق ويمدهم بأنواع الإرفاد والإرفاق ويتولى ردع جانيهم إذا لم يسمع ويتدبر فيه قوله‏:‏ ‏"‏ أنفك منك وإن كان أجدع ‏"‏ ولما كان فلان هو المشار إليه من بني هذه السلالة وله من بينهم ميزة باطنة وظاهرة وإن كانوا كلهم شيئاً واحداً في الإجلال والإعظام فقد تميزت من بين الأنامل السبابة على الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام وكم ثمر جني فضل بعضه على بعض في الأكل وهو يسقى بماء واحد وقد امتاز على بني هاشمٍ سيد المرسلين عليه أفضل الثلاة والسلام - اقتضى حسن الرأي المنيف أن رسم بالأمر الشريف - لابرح يختار وينتقي ويجتبي من يخشى الله ويتقي - أن تفوض إليه نقابة الأشراف الطالبيين على عادة من تقدمه من النقباء السادة‏.‏

فليجمع لهم من الخير مايبهج الزهراء البتول فعله ويفعل مع أهله وقرابته منهم ماهو أهله وليحفظ مواليدهم ويحرز أسانيدهم ويضبط أوقافهم ويعتمد إنصافهم ويثمر متحصلاتهم ويكثر بالتدبير غلاتهم ويأخذ نفسه بمساواتهم في جميع حالاتهم وليأخذهم بالتجمع عن كلمايشين والعمل بما يزين حتى يضيفوا إلى السؤدد حسن الشيم وإلى المفاخر فاخر القيم وكل مايفعله معهم من خير أو غيره هو له وعليه ومنه وإليه والله يحفظه من خلفه ومن بين يديه بمنه وكرمه‏!‏ وهذه نسخة وصية لنقيب الأشراف أوردها في التعريف فقال‏:‏ ونحن نجلك عن الوصايا إلا ما نتبرك بذكره ويسرك إذا اشتملت على سره فأهلك أهلك راقب الله ورسوله جدك صلى الله عليه وسلم فيما أنت عنه من أمورهم مسؤول وارفق يهم فهم أولاد أمك وأبيك حيدرة والبتورة وكف يد من علمت أنه قد استطال بشرفه فمد إلى العناد يدا وأن الأعمال محفوظة ثم معروضة بين يدي الله فقدم في اليوم ماتفرح به غدا وأزل البدع التي ينسب إليها أهل الغلو في ولائهم والعلو فيما يوجب الطعن على آبائهم‏:‏ لأنه يعلم أن السلف الصالح رضي الله عنهم كانوا منزهين عما يدعيه خلف السوء من افتراق ذات بينهم ويتعرض منهم أقوام إلى مايجرهم إلى مصارع حينهم فللشيعة عثرات لاتقال من أقوال ثقال فسد هذا الباب سد لبيب واعمل في حسم مواده عمل أريب وقم في نهيهم والسيف في يدك قيام خطيب وخوفهم من قوارعكمواقع كل سهم مصيب فما دعي بحي على خير العمل إلى خير من الكتاب والسنة والإجماعفانظم في نادي قومك عليها عقود الاجتماع‏.‏

ومن اعتزى إلى اعتزال أو مال إلى الزيدية في زيادة مقال أو ادعى في الأئمة الماضين مالم يدعوه أو اقتفى في طرق الإمامية بعض ما ابتدعوه أو كذب في قول على صادقهم أو تكلم بما أراد على لسان ناطقهم أوقال‏:‏ إنه تلقى عنهم سراً ضنوا على الأمة ببلاغه وذادوهم عن لذة مساغه أو روى عن سوم القيفة والجمل غير ماور أخباراًأو تمثل بقول من يقول‏:‏ عبد شمس قد أوقدت لبني هاشم ناراً أو تمسك من عقائد الباطن بظاهر أو قال إن الذات القائمة بالمعنى تختلف في مظاهر أو تعلق له بأئمة الستر رجاء أو انتظر مقيماً برضوى عنده عسل وماء أو ربط على السرداب فرسه لمن يقود الخيل يقدمها اللواء أو تلفت بوجهه يظن علياً كرم الله وجهه في الغمام أو تفلت من عقال العقل في اشتراط العصمة في الإمام‏.‏

فعرفهم أجمعين أن هذا من فساد أذهانهم وسوء عقائد أديانهم فإنهم عدلوا في التقرب بأهل هذا البيت الشريف عن مطلوبهم وإن قال قائل إنهم طلبوا فقل له‏:‏ كلا بل ران على قلوبهم‏.‏

وانظر في أمور أنسابهم نظراً لايدع مجالاً للريب ولايستطيع معه أحد أن يدخل فيهم بغير نسب ولايخرج منهم بغير سبب وساوق المتصرفين في أموالهم في كل حساب واحفظ لهم كل حسب‏.‏

وأنت أولى من أحسن لمن طعن في أسانيد هذا الحديث الشريف أو تأول فيه على غير مراد قائله صلى الله عليه وسلم تأديباً وأراهم مما يوصلهم إلى الله تعالى وإلى رسوله طريقاً قريباً ونكل بمن علمت أنه قد مالأ على الحق أو مال إلى فريق الباطل فرقاً وطوى صدره على الغل وغلب من أجله على ماسبق في علم الله تعالى من تقديم من تقدم حنقاً وجار وقد أوضحت لهم الطريقة المثلى طرقاً واردعهم إن تعرضوا في القدح إلى نضال نصال وامنعهم فإن فرقهم كلها وإن كثرت خابطة في ظلام ضلال وقدم تقوى الله في كل عقد وحل واعمل بالشريعة الشريفة فإنها النسب الموصول الحبل‏.‏

واعلم أن المقر الشهابي بن فضل الله قد ذكر في التعريف عدة وصايا لجماعة من أرباب السيوف لم يكتب لأحد منهم في زماننا بل رفض استعمالها وأهمل‏.‏

ونحن نذكرها حفظاً لذكرها واحتياطاً أن يقتضي الحال في زمنٍ كتابة شيءٍ منها‏.‏

إحداها - وصية أتابك المجاهدين‏.‏

وقد تقدم في الكلام على ترتيب وظائف الديار المصرية أن أصله أطابك بالطاء المهملة ومعناه الأب الأمير وأن أول من لقب بذلك زنكي أطابك صاحب الموصل ثم غلبت فيه التاء المثناة بدل الطاء وهي‏:‏ وأنت ابن ذلك الأب حقيقة وولد ذلك الوالد الذي لم تعمل له إلا دماء الأعداء عقيقة وقد عرفت مثله بثبات الجنان وصلت بيدك ووصلت إلى مالم يصل إليه رمح ولاقدر عليه سنان ولم يزاحمك عدو إلا قال له‏:‏ أيها البادي المقاتل كيف تزاحم الحديد ولاسمي اسمك لجبار إلا قال له‏:‏ ‏"‏ وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ماكنت منه تحيد ‏"‏‏.‏

وأنت أولى من قام بهذه الوظيفة وألف قلوب هذه الطائفة التي ماحلم بها حالم إلا وبات يرعد خيفة فليأخذ هذا الأمر بزمامه وليعمل الله ولإمامه وليرم في حب البقاء الدائم بنفسه على المني ولينادم على معاقرة الدماء زهور سكاكينه الحني واطبع منهم زبراً تطاول السيوف بسكاكسنها وتأخذ بها الأسود في عرينها وتمتد كأنها آمال لما تريد وترسل كأنها آجال ولهذا هي إلى كل عدو أقرب من حبل الوريد وأذك منها شعلاً إذا دعيت بأحسابها لاتجد إلا متحامياً وارم منهم سهاماً إذا دعيت بأنسابها الإسماعيلية فقد جاء اسماعيل كان رامياً وفرج بهم عن الإسلام كل مضيق واقلع عن المسلمين من العوانية كل حجر في الطريق وصرف رجالك الميامين وتصيد بهم فإنهم صقور ومناسرهم السكاكين واخطف بهم الأبصار فبأيمانهم كل سكينة كأنها البرق الخاطف واقطف الرؤوس فإنها ثمرات أينعت لقاطف واعرف لهم حقهم وضاعف لهم تكريماً وأدم لهم بنا براً عميماً وقدم أهل النفع منهم فقد قدمهم الله ‏"‏ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً ‏"‏ واعلم أنهم مثل الوحوش فزد في تأنيسهم واشكر إقدامهم فطالما اقتحموا على الملوك وماهابوا يقظة حرسهم وارفع بعضهم على بعض درجاتٍ في نفقات تسافيرهم وقعود مجلسهم ولاتسو بينهم فيما هم سواء لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم‏.‏

واصل هذه الدعوة مازالت تنتقل بالمواريث حتى انتهت إلينا حقوقها وأومضت بنا حيث خلعت هياكلها بجرعاء الحمى بروقها والله تعالى ييوقفه ويرشده ويطول باعه لما قصرت عنه سواعد الرماح ووصلت إليه يده‏.‏

الثانية - وصية أستاذ الدار وليتفقد أحوال الحاشية على اختلاف طوائفها وأنواع وظائفها وليرتبها في الخدمة على مايجب وينظر في أمورهم نظراً لايخفى معه شيء مما هم عليه ولايحتجب وليبدأ في أمورهم نظراً لايخفى معه شيء مما هم عليه ولايحتجب وليبدأ بمهم السماط المقدم الذي يقدم ومايتنوع فيه من كل مطعم ومايمد منه في كل يوم بكرة والعصر ومايستدعى معه من الطواريء التي لايحدها الحد ولايحصرها الحصر وأحوال المطبخ الكريم الذي منه ظهور تلك المخافي ووفاء ذلك الكرم الوافي والتقدم إلى الأمناء والمشرفين فيه بأمانة الإنفاق وصيانة المآكل مما يعاب على الإطلاق‏.‏

ثم أمر المكشروب وماتغلق عليه أبواب الشراب خاناه السعيدة من لطائف مأكول ومشروب وشيءٍ عزيزٍ لايجود إلا فيها إذا عز المطلوب ومراجعة الأطباء فيما تجري عليه قوانينها وتشب لطبخه من حمر اليواقيت كونينها وإفراز ماهو للخاص الشريف منها وماهو للتفرقة ومالايصرف إلا بخط الطبيب ولايسلم إلا إلى ثقة‏.‏

ثم الطشت خانها السعيدة التي هي خزانة اللباس وموضع مانبرز به من الزينة للناس ومايحتاج إليه من آلات التطبيب ومايعين لها من الصابون وماء الورد والطيب وغير ذلك من بقية ماهي مستقرة ويؤخذ منها مستدرة ومن يستخدم بها ممن برأ من الريب وعرف بالعفاف والأدب وعلم أنه من أهل الصيانة وعلى ماسلم إليه ومن خالطه الأمانة‏.‏

ثم الفراش خاناهوماينصب فيها من الخيام ومايكون فيها من فرش سفر ومقام وشمع يفضض كافور كافوريته آبنوس الظلام‏.‏

ثم غلمان الإصطبل السعيد والنجابة وإن كان إلى سواء استخدامهم ولدي غيره مستقرهم ومقامهم لكنهم كاخرجوا من عديده ولايروقهم ويروعهم إلا حسن وعده وخشن وعيده‏.‏

ثم المناخات السلطانية ومابها من جمال ومايسرح فيها من مالٍ وجمال ومن يستخدم فيها من سيروان ومهمرد ومافيها من قطار مزدوج وفرد فيوفر لهذه الجهة نصيباً من النظر يشاهد أمورها وقد غابت في الأقطار وتفرقت كالسحب يلزمها القطار القطار وليكونوا على باله فإنهم يسرقون الذرة من العين ومعهم الذهب العين محملاً بالقنطار فليحسن منهم الارتياد وليتخير أرقهم أفئدة فإنهم بكثرة ملازمتهم للإبل مثلها حتى في غلظ الأكباد‏.‏

وطوائف المعاملين والأبقار ومن عليها من العاملين وزرائب الغنم وخولها ورعائها وأصناف البيوت الكريمة‏.‏

وماتطلبه في استدعائها ونفقات الأمراء المماليك السلطانية في إهلال كل هلال ومايصرف في كساهم على جاري عادتهم إو إذا دعت إليه ضرورة الحال ومايؤخذ عليه خطه من وصولات تكتب واستدعاآت تحسب من لوازمه وهي للكثرة لاتحسب فليكن لهذا مراعياً ولأموره واعياً ولما يجب فيه دون مالايجب مستدعياً وإليه داعياً وهو كبير البيت وإليه يرجع أمر كل مملوك ومستخدم ويأمره يؤخر من يؤخر ويقدم من يقدم ومثله يتعلم منه ولايعلم وعصاه على الكل محمولة على الرقاب مبسوطة في العفو والعقاب ومكانه بين يدينا حيث نراه ويرانا ولدينا قاب قاسين أو أدنى من قاب‏.‏

وعليه بتقوى الله فيها تمام الوصايا وكما الشروط والأمر بها فعصاه محكمه وأمره مبسوط وكل مايناط بنا‏:‏ من خاصة أمورنا في بيتنا - عمره الله ببقائناوزارد تعميره - بتدبيره منوط‏.‏

الثالثة - وصية أمير آخور‏.‏

وقد تقدم في الكلام على الألقاب في المقالة الثالثة أنه مركب من لفظين‏:‏ عربي وهو أمير ومعناه معروف وأخور فارسي ومعناه العلف والمعنى أمير العلف‏.‏

وكأنه في الأصل كان هو المتولي لعلوفة الخيل ثم ارتفعت وظيفته حتى صار صاحبها من أكبار الأمراء القمديمن وهو يتحدث وهذه نسخة وصيته‏:‏ ‏"‏ وليكن على أكمل مايكون من إزاحة الأعذار والتأهب لحركاتنا الشريفة في ليل كان أو نهار مقدماً الأهم فالأهم من الأمور والأبدأ فالأبدأ من تقديم مراكبنا السعيدة وتهيئة موكبنا المنصور وترتيب ذلك كله على ما جرت به العوائد وتحصيل ماتدعو الحاجة إليه على قدر الكفاية والزوائد والنظر في جميع إصطبلاتنا الشريفة والجشارات السعيدة وخير البريد والركايب المعدة لقطع كل مدى بعيد ومايجتمع في ذلك وينقسم ومايركب منها ويجنب مما يسم الأرض بالبدور والأهلة من كل حافر ومنسم وماهو برسم الإطلاق ومايعد لمماليك الطباق وخيل التلاد ومايجلب من قود كل قبيلة من القباشل ويجيء من كل بلدٍ من البلاد والمشترى مما يباع من المواريث ويستعرض من الأسواق ومايعد للمواكب وللسباق وليجل رأيه في ترتيب ذلك كله في مراتبه على ماتقتضيه المهمات والاحتراز في التلاد مما لعله يبدل ويقال هو هذا أو يؤخذ بحجة أنه مات وليجتهد في تحقيق مانفق وليحرره على حكم مايتحقق عنده لاعلى مااتفق وكذلك فليكن فحصه عمن ستخدم عنده من الغلمان ولايهمل أمورهم مع معاملتهم بالإحسان ولايستخدم إلا من تشكر سيرته في أحواله وتعرف خبرته فيما يراد من أمثاله وكذلك الركابة الذين تملك أيديهم أعنة هذه الكرائم والتحرز في أمرهم ممن لعله يأوي غليهم من أرباب الجرائم والأوشاقيه الذين هم مثل مماليكه وهم في الحقيقة إخوانه وجماعة المباشرين الذين هم في مباشرة الإصطبلات السعيدة ديوانه وكل هؤلاء يلزمهم أمثالهم من السلوك ويعلمهم بما يجب عليهم أن يتعلموه من خدمة الملوك ولايسمح لأحد منهم في أمر يفضي إلى إخلال ولايقتضي فرط إدلال وليقم أودهم بالأدب فإن الأدب مافيه إذلال وكل هؤلاء الطوائف ممن يتجنب العامة مخالطتهم بما طار في أيام من تقدم عن أمثالهم من سوء السمعة ويتخوف منهم السرعة فليكن لهم منك أعظم زاجر ومن شكي إليك منهم فسارع إلى التنطيل به وبادر واشهر من فعلك لهم مايوجب منهم الطمأنينة ولايعود أحد بعده يكذب يقينه وأمراء أخورية الذين هم أتباعك وبهم يمتد باعك هم بحسب ما تجعلهم بصدده ومامنهم إلا من يقدر أن يتعدى حده في مقام قدمه وبسط يده فاجعل لكل منهم مقاماً معلوماً وشيئاً تجعل له فيه تحكيماً‏.‏

وتثمين الخيول المشتراة والتقادم قومها بأهل الخبرة تقويم عدل وقل الحق ولايأخذك فيه لوم ولاعذل ومايصرف من العليق برسم الخيول السلطانية ومن له من صدقاتنا الشريفة عليق مر بصرفه عند الاستحقاق واضبطه بالتعليق وتصرف في ذلك كله ولاتتصرف إلا تصرف شفيق وصنه بأقلان جماعة الديوان ولاتقنع في غير أوقات الضرورة برفيق عن رفيق وكذلك البراسيم السلطانية أصلاً وزيادة ولا تصرف إلا مانأمر به وإلا فلا تخرج فيه عن العادة ونزلاؤك من أمراء العربان عاملهم بالجميل وزد في أخذ خواطرهم ولو ببسط بساط الأنس لهم فما هو قليل لتتضاعف رغبتهم في كل عام وليستدلوا ببشاشة وجهك لهم على مابعده من الأنعام وبغال الكؤوسات السعيدة والأعلام المنصورة وأثقال الخزانة العالية المعمورة واجعلها من المهمات المقدمة والمقدمات لنتائج أيام النصر المعلمة ورتبها في مواقفها وأتمها أتم مايكون من وظائفها فبها تثبت مواقف العسكر المنصور وإليها يأوي كل مستظل ورحى الحرب تدور وغير ذلك من قماش الإصطبلات السعيدة من الذهب والفضة والحرير وكل قليل وكثير باشره مباشرة من لايتخلى وأحصه خرجاً ودخلاً وإياك والأخذ بالرخص أو إهمال الفرص أو طلب فائت جرم أهملته حتى نكص‏.‏

الرابعة - وصية مقدم المماليك‏.‏

وقد تقدم في الكلام على أرباب الوظائف أنه يتحدث في أمر المماليك السلطانية والحكم بينهم ويركب خلفهم إذا ركب السلطان كأنه يحفظهم والوصية هي‏:‏ وليحسن إليهم وليعلم أنه واحد منهم ولكنه مقدم عليهم وليأخذ بقلوبهم مع إقامة المهابة التي يخيل إليهم بها أنه معهم وخلفهم وبين يديهم وليلزم مقدم كل طبقة بما يلزمه عند تقسيم صدقاتنا الجارية عليهم‏:‏ من ترتيب الطباق وإجراء ساقيةٍ جارية من إحساننا إليهم ولاينس السواق وليكن لأحوالهم متعهداً ولأمورهم متفقداً وليستعلم أخبارهم حتى لايزال منها على بصيرة وليعرف ماهم عليه مما لايخفى عليه فإنهم وإن لم يكونوا له أهلاً فإنهم جيرة وليأمر كلاً منهم ومن مقدميهم والسواقين لهم بما يلزمهم من الخدمة وليرتبهم على حكم مكانتهم منا فإن تساووا فليقدم من له قدمة وليعدل في كل تفرقة وليحسن في كل عرض ونفقة وليفرق فيهم مالهم من الكساوى ويسبل عليهم رداء الشفقة وليعد منهم لغابنا المحمي سباعاً تفترس العادية وليجمل النظر في أمر الصغار منهم والكبار أصحاب الطبقات العالية وليأخذهم بالركوب في الأيام المعتادة والدخول إلى مكان الخدمة الشريفة والخروج على العادة وليدرهم في أوقات البياكير والأسفار نطاقاً دائر الدهليز المنصور وليأمرهم أمراً عاماً بأن لايركب أحد منهم إلا بدستور ولاينزل إلا بدستور وليحترز عليهم من طوائف الغلمان ولايستخدم منهم إلا معروفاً بالخير ويقيم عليهم الضمان وليحرر على من دخل عليهم وخرج ولايفتح لأحد منهم إلا من عليم أنه ليس في مثله حرج ولايدع للريبة بينهم مجالاً للأضطراب وليوص مقدميهم بتفقد مايدخل إليهم فإن الغش أكثره من الطعام والشراب وليدم مراجعتنا في أمرهم فإن بها يعرف الصواب وليعمل بما نأمره به ولايجد جوى ‏"‏ في جواب‏.‏

  الضرب الثاني أرباب الوظائف الدينية

الطبقة الأولى أصحاب التقاليد ممن يكتب له بالجناب العالي وتشتمل على عدة وظائف‏:‏ الوظيفة الأولى القضاء قد تقدم في المقالة الثانية في الكلام على ترتيب الوظائف أن الديار المصرية كان يليها قاضٍ واحد إلى أن كانت الولة الظاهرية بيبرس في أوائل الدولة التركية وقاضي القضاة يومئذ القاضي تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز الشافعي فاضطرب الأمر لاختلاف المذاهب فاقتضى رأي السلطان تقرير أربعة قضاة من كل مذهب قاض وقرر القاضي تاج الدين ابن بنت الأعز في قضاء قضاة الشافعية على حاله وكتب لكل منهم تقليد بذلك ثم خص قاضي القضاة الشافعية بالتولية في بلاد الريف دون غيره من القضاة الثلاثة واستمر الأمر على ذلك إلى الآن‏.‏

إلا أنه لما حدث بديوان الإنشاء تنويع مايكتب لأرباب اللأقلام إلى تقاليد في قطع الثلثين وتفاويض وتواقيع في قطع النصف تقرر الحال على أن يكتب للقضاة الأربعة تواقيع في قطع النصف تقرر الحال على أن يكتب للقضاة الأربعة تواقيع في قطع لنصف بالمجلس العالي ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي القاضي عماد الدين أحمد الكركي الأزرقي قضاء قضاة الشافعية في أول سلطنة الظاهر برقوق الثانية وأخوه القاضي علاء الدين علي كاتب السر فعني بأخيه عماد الدين المذكور فكتب له تقليداً في قطع الثلثين بالجناب العالي‏.‏

وبقي الثلاثة على ماكانوا عليه من كتابة التواقيع إلى أن ولي القاضي جمال الدين محمود الحلبي القيسري المعروف بالعجمي رحمه الله قضاء قضاة الحنفية في الدولة الظاهرية أيضاً مضافاً إلى نظر الجيش فكتب له تقليد في قطع الثلثين بالجناب العالي أيضاً وبقي المالكي والحنبلي على ماكانا عليه من كتابة التواقيع في قطع النصف‏.‏

ولم يزل الأمر على ذلك إلى أن ولي قاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي قضاء قضاة المالكية في الدولة الناصرية فرج بن الظاهر برقوق فأنشأت له تفويضاً وكتبت له به ولم يكن أحد ممن عاصرناه كتب له تفويض غيره‏.‏

ثم لما ولي الشيخ جمال الدين عبد الله الأقفهيس قضاء المالكية كتب له توقيع في قطع النصف إلا أنه كتب له بالجناب العالي كما يككتب لأصحاب التقاليد وجرى الأمر فيمن بعده على ذلك‏.‏

ولم يبق من هو على النمط الأول سوى قاضي القضاة الحنايلة ويوشك أن يكتب لكل من المالكي والحنبلي أيضاً تقليد‏:‏ لمساواتهم بغيرهم من الأربعة‏.‏

وقد ذكرت مايكتب لهم من تقاليد وتواقيع هنا جمعاً للمفترق وتقريباً للمأخذ وهأنا أذكر مايكتب للأربعة على الترتيب‏.‏

الأول‏:‏ قضاء القضاة الشافعية وهذه نسخة تقليدٍ بقضاء القضاة الشافعية كتب به لقاضي القضاة تاج الدين ابن بنت الأعز رحمه الله حين استقر أحد القضاة الأربعة بعد انفراده بالوظيفة على ماتقدم وهي من إنشاء القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر رحمه الله تعالى وهي‏:‏ الحمد لله مجرد سيف الحق على من اعتدى وموسع مجاله لمن راح إليه واغتدى وموضح طريقه لمن اقتاد واقتدى ومزين سمائه بنجوم تستمد الأنوار من شمس الهدى الذي أعذب لشرعة الشريعة المحمدية ينبوعاً وأقامها أصلاً مد بثمار الرشد فروعاً‏.‏

نحمده على نعمه التي ألزمتنا لتشييد مبانيها شروعاً ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة نعمر بها من القلوب والأفواه ربوعاً ونصلي على سيدنا محمد الذي أرسله الله إلى الخلائق جميعاً وقام بعبء الأمر يصنع حسناً ويحسن صنيعاً صلى الله عليه وعلى آله صلاةً لايبرح برقها ملموعاً ولاينفك وترها بالتسليم مشفوعاً‏.‏

وبعد فإن أحق من جدد له شرف التقريض وخلد له إرضاء الأحكام وإمضاء التفويض وريش جناحه وإن لم يكن المهيض وفسح مجاله وإن كان الطويل العريض ورفع قدره على الأقدار وتقسمت من سحائبه الأنواء ومن أشعته الأنوار من غزر مده فجرت منه في رياض الحق الأنهار وغداً تخشع لتقواه القلوب وتنصت لقوله الأسماع وترنو لمحياه الأبصار وقد أوفى من إرشاده للأمة لطفاً فلطفاً وأوقد من علمه جذوةً لاتخبو وقبساً بلاهوى لايطفى وفات النظراء والنظار فلايرسل أحد معه طرفاً ولايمد إليه من حيائه طرفاً واحتوى من علوم الشريعة على ماتفررق من غيره وغدا خير دليل إلى الحق فلا يقتدى في المشكلات إلا برأي اجتهاده ولايهتدى في المذاهب إلا بسيره وكان لفلك الشريعة المحمدية قطباً ولجثمانها قلباً ولسوارها قلباً ولدليلها برهاناً ولأنسانها عيناً ولعينها إنساناً فكم أرضى بني الأنام على الأيام وكم أغضى حياءً مع قدرته على الانتقام وكم أمضى لله حكماً لاانفصال لعروته ولا انفصام وكم أمضى لله حكماً لاانفصال لعروته ولا انفصام وكم قضى بالجور في ماله وبالعدل في الأيتام فلو استعداه الليل على النهار لأنصفه من تعديه ولم يداجه لما ستره عليه من تعديه في دياجيه فهو الصادع بما أمر الله به ولو على نفسه والمسترد الحقوق الذاهبة من غير محاباة حتى لغده من يومه وليومه من أمسه‏.‏

ولما كان قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ممن هو في أحسن هذه السمات قد تصور وكات نجوم السماء السماء بأنواره تتكثر وتجوهر بالعلوم فأصبح حقيقةً هو التاج المجوهر وله مزايا السؤدد التي لايشك فيها ولايرتاب وسجايا الفضل التي إذا دخل إليه غيره من باب واحد دخل هو إليه من عدة أبواب وهو شجرة الأحكام ومصعد كلم الأحكام الحكام ومطلع أنجم شرائع الإسلام ومهبط وحي المقدمات والارتسام ومجتمع رفاق القضايا في الحلال والحرام - خرج الأمر الشريف بتجديد هذا التقليد الشريف له بقضاء القضاة بالديار المصرية‏:‏ فليستصحب من الحق ماهو ملي باستصحابه وليستمر على إقامة منار الحق الذي هو موثق عراه ومؤكد أسبابه وليحتلب من أخلاف الإنصاف ماحفله اجتهاده ليد احتلابه عالماً بأن كل إضاءة إنارتها من قبسه وإن استضاء بها في دياجي المنى وكل ثمرة من مغترسه و إن مد إليها يد الاجتنا وكل جدول هو من بحره وإن بسط إليه راحة الاغتراف وكل منهج هو من جادته وإن ثنى إلى سلوكه عنان الانصراف لاالانحراف وهو بحمد الله المجتهد المصيب والمادة للعناصر وإن كان نصيبه منها أوفر نصيب وسجاياه يتعلم منها كيف يوصى ويعلم ومزاياه تقوم الأود كيف يقوم والله الموفق بمنه وكرمه‏!‏ الثاني - قاضي القضاة الحنفية على مااستقر عليه الحال من لدن القاضي جمال الدين محمود القيسري وإلى آخر وقت‏.‏

وموضوعها النظر في الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه ويختص نظره بمصر والقاهرة خاصة‏.‏

وهذه نسخة تقليد بقضاء قضاة الحنفية كتب به لمن لقبه شمس الدين وهي‏:‏ الحمد لله الذي أطلع في أفق الدين الحنيف شمساً منيرة ورفع درجة من جعله من العلم على شريعةٍ ومن الحكم على بصيرة وقلد أمور الأمة لمن يعلم أن بين يديه كتاباً لايغادر صغيرة ولاكبيرة ووفق لفصل القضاء من مشى على قدم أقدم الأئمة فسار في مذهبه المذهب أحسن سيرة الذي أدخر للحكم في أيامنا الشريفة من نفائس العلماء أفضل ذخيرة وقضى بإرجاء أمره لنختار له من تحلى به بعد العطل وكل قضاء خيرة وأيقظ عنايتنا لمن رقد الدهر عن فضله فباتت عين الاستحقاق باستقرار رتبته قريرة‏.‏

نحمده حمد من توافت إليه النعم الغزيرة وتوالت عليه المنن الكثيرة في المدد اليسيرة وأخصبت في أيامه رياض الفضائل فهي بكل عالم عدم النظير نضيرة وافتتح دولته برفع منار العدل فآمال أهل الظلم عن تعاطيه قاصرة وأيدي أهل الباطل عن الامتداد إليه قصيرة وخص المناصب في ممالكه بالأكفاء فإذا تلبست بهم همم غيرهم عادت خاسئةً أو امتدت إليها أبصار من دونهم رجعت حسيرة‏.‏

ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة تصلح العلن والسرية وتصبح بها القلوب موقنة والألسن ناطقةً والأصابع مشيرة ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعث الله به الرسل مخبرةً وأنزل الكتب بمبعثه بشيرة واجتباه من خير أمة من أكرم أرومة وأشرف عشيرة وأظهر أنوار ملته إلا لمن أعمى الغي بصيرته وهل ينفع العمي شمس الظهيرة وخصه بالأئمة الذين وفقهم للاستعانة بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة وجعل علماءهم ورثة الأنبياءفلو ادعيت لأحكامهم العصمة لكانت بذلك جديرة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاةً نتقرب بدوامها إلى الله فيضاعفها لنا أضعافاً كثيرة وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى الأمور بأن تشاد قواعده وتتعهد معاهده ويعلى مناره وتفاض بطلوع شمسه أنواره ويحلى به بعد العطل جيده وينظم في سلك عقود الأمة فريدة وتكمل به قوى الدين تكملة الأجساد بقوى الطبائع الأربع وتعمر ربوع الملة التي ليس بعدها من مصيف لملة ولامربع وتثبت به قوائم الشرع التي ماللباطل في إمالة بعضها من مطمع وتجلى به عمن ضاق عليه المجال في بعض المذاهب الغمة ويستقر به عدد الحكام على عدد الأئمة المستقر على عدد الخلفاء الراشدين من خلفاء الأمة ويمد به على الخلق جناح الرحمة وافر القوادم وراف الظلال ويجمع به عليهم ماجمع الله في أقوال أئمتهم من الحق وماذا بعد الحق إلا الضلال - أمر القضاء على مذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه الذي اشتق الله له من الملة الحنيفية نسبة سرت في الآفاق وأفاض عليه من مواد القياس الجلي كنوزاً نمت على الإنفاق وعضد أيامه بوليي عهد قولهما حجة فيما تفردا به من الخلاف أو اجتمعا عليه من الوفاق وعد من التابعين لقدم عهده وسمي سراج الأمة لإضاءة نوره بهما من بعده‏.‏

ولما خلا بانتقال مباشرة الله تعالى توقف مدةً على ارتياد الأكفاء وارتياء من هو أهل الاصطفاء واختيار من تكمل به رفعة قدره ويعيد لدسته بتصدر على بساط سليمانه بهجة صدره ويغدو لسر إمامه بعد إماتة هذه الفترة ياعثاً ويصبح وإن كان واحد عصره لأبي يوسف ثانياً ولمحمد بن الحسن ثالثاً ويسبه به البخي زهداً وعلماً والطحاوي تمسكاً بالسنة وفهماً ويغترف القدوري من يحره ويعترف الحصري بالحصر عن إحصاء فضله وحصره ويقف من مذهب ابن ثابت على أثبت قدم وينتمي من فقه النعمان إلى فرع زاكٍ وأصل ثابت وينشر من أحكامه ماإن وافق الأئمة فهو حجة قاطعة ومحجة ساطعة أو خالفهم بمذهبه فهو رحمة واسعة ونعمه وإن كانت بين الطرق فارقةً فإنها على الحق جامعة‏.‏

ولماكان فلان هو المنتظر لهذه الرتبة انتظار الشمس بعد الغسق والمرتقب لبلوغ هذه المنزلة التي تقدمت إليها بوادر استحقاقه في السبق والمعطوف على من وصف من الأئمة وإن تأخر عن زمانه عطف وهو الذي يعدل دم الشهداء مداد أقلامه وتضع الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع من نقل خطواته في طلب العلم وسعي أقدامه ودخل من خشية الله تعالى في زمرة من حصر بإنما وهجر المضاجع في طاعة الله لتحصيل العلم فلو عدت هجعاته لقلما وهجر في إحراز الفضائل فقيد أوابدها وأحرز شواردها ولجج في بحار المعاني فغاص على جواهرها ونظر نظرةً في نجوم العلوم فاحتوى على زهرها وارد خمائل الفضائل فاستولى على أزاهرها وانتهى إليه علم مذهبه فبرز على من سلف وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وماوقف ونحا نحو إمامه فلوقابله يعقوب مع معرفته في بحث لانصرف وتعين عليه الضاء وإن كان فرض كفاية لافرض عين وقدمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهامٍ ورتبة غيره بين بين - اقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز‏.‏

فلذلك رسم أن يفوض إليه كيت وكيت‏.‏

فليتول هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائباً وبشرعه قائماً ويتقلدها تقلد من يعلم ألأنه قد أصبح على حكم الله مقدماً على الله قادماً ويتثبت تثبت من يعتصم بالله في حكمه فإن أحد الخصكين قد يكون ألحن بحجته وإن كان ظالماً ويلبس لهذا المنصب حلة تمنع المبطل من الإقدام عليه وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع من يديه وتؤمن الحق من امتداد يدي الجور والحيف إليه وليسوا بين الخصمين في مجلسه ولحظه ويعدل بينهما في إنصاته ولفظه‏:‏ ليعلم ذو الجاه أنه مساوٍ في الحق لخصمه مكفوف باستماع حجته عن الطمع في ظلمه ولاينقض حكماً لم يخالف نصاً ولاسنةً ولاإجماعاً وليشارك فيما لايجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيد بذلك مع اطلاعه اطلاعاً وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم فإن الله تعالى لاينتزع هذا العلم انتزاعاً وليسد مسالك الهوى عن فكره ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره وليجعل العمل لوجه الله نتيجة علمه وليحكم بما أراه الله والله يحكم لا معقب لحكمه إن شاء الله تعالى‏.‏

الثالث - قاضي قضاة المالكية‏:‏ وهذه نسخة تقليد بقضاء المالكية لقاضي القضاة جمال الدين يوسف البساطي المقدم ذكره في العشر الأخير من رجب الفرد سنة أربع وثمانمائة وهو‏:‏ الحمد لله الذي شفع جلال الإسلام بجماله وناط أحكامه الشرعية بمن اقترن بحميد مقاله جميل فعاله وخص مذهب عالم المدينة بخير حاكم ماجرى حديثه الحسن يوماً إلا وكان معدوداً من رجاله وعدق النظر في أحكامه بأجل عالم لو طلب له في الفضل مثل لعجز الزمان أن يأتي بمثاله‏.‏

نحمده على أن أخلف من النبعة الزكية صنواً زاكساً وأدال من الأخ الصالح أخاً للعلوم شافياً ولمنصبه العلي ولله الحمد وافياً ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له مجرد سيف الحق على كل مبطل معاند ومرهف حده القاضب لكل ملحدٍ عن سواء السبيل حائد وأن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي فاق الأنام بفضله وعم البرية بعدله وسد باب التوبة على منتقصه فلم تكن لتقبل توبة مثله وكان إلى مالك مصيره فلا جرم قضى بإهدار دمه وتحتم قتله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين ذابوا عن حمى الدين وذادوا وسلكوا سبيل المعدلة إذ حكموا فما ضلوا عن سنن الطريق ولاحادوا صلاةً تبقى ببقاء الدهور ولاتزول بهجة جمالها بتوالي الأعوام والشهور وسلم تسليمكاً كثيراً‏.‏

أما بعد فإن أولى ماقصر عليه النظر واستغرقت فيه الفكر وعر العيون فيه السهر وصرفت إليه الهمم ورغبت في البراءة من تخلفه الذمم - النظر في أمرمنصب الشرع الشريف الذي يأوي الملهوف إلى ظله ويلجأ المستجير إلى عدله ويتعلق العفاة بوثيق عروته وميتن حبله وبرهبته يكف الظالم عن ظلمه وينتصف الخصم من خصمه ويذعن العاصي إلى طاعته وينقاد الأبي إلى حكمه ويأتم به الحائر في دجى الجهل فيستضيء بنوره ويهتدي بنجمه لاسيما مذهب مالكٍ الذي لم يزل للدين من أهل الإلحاد مثئراً وللقصاص من أهل العناد مبتدراً وبسل سيف الحق على الطغاة المتمردين مشتهراً ففاز من سطوات الإرهاب بأرفع المراتب وعلا رقاب الملحدين بأرهف القواضب وخص من سفك دماء المبطلين على البت بما لم يشاركه فيه غيره من المذاهب فوجب أن يختار له من ينص الاختبار على أنه أهل للاختيار ويقطع المنافس أنه الراجح وزناً عند الاعتبار وتأخذ مناقبه البسيطة في البسط فلا تنفذ إذا نفدت مناقب غيره المركبة عند الاعتبار وتأخذ مناقبه البسيطة في البسط فلا تنفد إذا نفدت مناقب غيره المركبة عند الاختصار ويشهد له ضده بالتقدم في الفضل وإنم لم تتقدم منه دعوى ويعترف له بالاستحقاق خصمه فيتمسك من عدم الدافع فيه بالسبب الأقوى ويحكم له بعلو الرتبة مناوئه فيرتفع الخلاف وتنقطع النجوى ويسجل له حاسده بثبوت المفاخر المحكوم بصحتها فلا ينقضها حالكم وإن بلغ من تدقيق النظر الغاية القصوى وتنفذ أحكامه في البرية فلا يوجد لها مخالف وتحذر شيعة الباطل سطوته فلا يرى لباطل محالف ويشتهر عنه من نصرة الحق مايأمن معه المستضعف الخائف ويتحقق فيه من قيام العدل مايرتدع به الظالم الحائف ويستوي عنده في لزوم الحق القوي والضعيف ولايفرق في لازمه بين المشروف والشريف ولايميز في حمل الأعباء الشرعية بين الشاق وغيره ولابين الثقيل والخفيف ولايحابي قريباً بقرابته ولا جليلاً لجلالته ولا طالماً خوف ظلمه ولاذا استطالةٍ لاستطالته ولايستزله ذو لسن للسنة ولابليغ لبلاغته ولايخالف بين الصديق الملاطف وغيره إلا في منع قبول شهادته‏.‏

ولما كان المجلس العالي القاضوي الكبيري الإمامي العالمي الصدري الرئيسي الأوحدي العلامي الكاملي الفاضلي المفيدي الفريدي الحجي القدوي الخاشعي الناسكي الحاكمي الجمالي جمال الإسلام شرف الأنام حاكم الحكام أوحد الأئمة مفيد الأمة مؤيد الملة معز السنة شمس الشريعة سيف المناظرين لسان المتكلمين حكم الملوك والسلاطين خالصة أمير المؤمنين أبو المحاسن يوسف البساطي المالكي - أدام الله تعالى نعمته - هو المراد من هذه الصفات التي وقعت من محله الكريم موقعها والمقصود من هذه السمات التي ألفت من سيرته الفاضلة موضعها وقارع صفاة هذه الذروة التي ماكان ينبغي لغيره أن يقرعها وشمس الفضل الحقيق بمثلها أن لايتوارى جمالها بحجاب الغروب وفاصل مشكلات القضايا إذا اشتد إشكالها وعظمت في فصلها الخطول ومتعين الولاية التي إذا كانت في حق غيره على الإباحة كانت في حقه على الوجوب وقد درب الأحكام وخبرها وعرف على التحقيق حالها وخبرها وورد من مشاربها الرائقة أصفى المناهل فأحسن وردها وصدرها ونفست جواهر فوائده ففاقت جواهر المعادن وغطت محاسن فضله فضائل غيره ولاتنكر المحاسن ليوسف وهو أبو المحاسن فعلومه المدونة بالبيان والتحصيل كافلة ومقدمات تنبيهاته بنتائج النوارد الحسنة متواصلة وتهذيب ألفاظه المنقحة تؤذن بالتحرير وعيون مسائلة المتواردة لاتدخل تحت حصر ولاتقدير فلو رآه مالكلقال‏:‏ ماأعظم هذه الهمة أو أدركه ابن القاسم لوفر من الثناء عليه قسمة أو عاصره ابن عبد الحكم لحكم له بأن سهمه قد أصاب الغرض وغيره أطاش الريح سهمه أو عاينه أشهب لقال قد ركب هذا الشهباء أنى يلحق أو سمع ابن وهب كلامه لقطع بأنه هية ربانية وبمثله لم يسبق أو بلغ ابن حبيب أو استشعر بقدومه ابن سيرين لبشر به أو جاوره ابن عوف لعاف مجاورة غيره أو مجاوزة طنبه أو جالسه ابن يونس لتأنس بمجالسته أو حاضره أبو الحسن بن القصار لأشجى قلبه بحسن محاضرته أو جاروه ابن عوف لعاف مجاورة غيره أو مجاوزة طنبه أو جالسه ابن يونس لتأنس بمجالسته أو حاضره أبو الحسن بن القصار لأشجى قلبه بحسن محاضرته أو جاراه القاضي عبد الوهاب لقضى بعلو مكانته أو اتصل ذكره بالمازري لزرى على مازر لبعدها عن دار إقامته أو اطلع القاضي عياض على تحقيقاته لاستحسن تلك المدارك أو ناظره ابن عبد السلام لسلم أنه ليس له في المناظرة نظير ولا في تدقيق البحث مشارك أو مر به ابن الجلاب لجلب فوائده إلى بلاده أو حضره ابن الحاجب لتحقق أنه جامع الأمهات على انفراده‏.‏

هذا وقد حف بجلال لاعهد لأحد مثله ولاطاقة لفاضل بمقاومة فضله ولايسمح الزمان بنظيره من بعده كما لم يسمح به من قبله فاجتمع من جمال الجلال وجلال الجمال مالم يكن ليدخل تحت الإمكان وعزز عددهما من أعلام الأئمة بثالث ورابع فقام بناء الدين من المذاهب الأربعة على أربعة أركان ولاعبرة بما يذهب إليه الذاهبون من كراهة التربيع تبعاً للمنجمين في اعتقادهم الفاسد فقد ورد أن زوايا الحوض على التربيع وذلك فيه أعظم دليل وأقوم شاهد‏.‏

وكان مذهب مالك رحمه الله هو المراد من هذه الولاية بالتخصيص والمجلس الجمالي المشار إليه هو المقصود بهذا التفويض بالتنصيص - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوفي مرتبته السنية حقها ونبويء النعم مستحقها ونملك رقاب المعالي مسترقها ونقدم على طائفة المالكية من أضحى لهم جمالاً ونتحفهم بمن أمسى لعزهم كمالاً ونفوض قضاء مذهبهم إلى من إذا جرى في ميدان حكمه قاللتمحاسن قضاياه‏:‏ هكذا هكذا وإلا فلا لا ونسند الأحكام الشرعية إلى مامن هو بها أعرف ونقفها على من عرف أنه على الحقائق ماضٍ وعند السنة يتوقف ونعدق أمرها بمن ألف النزاهة فنكرة المطامع عنده لا تتعرف ونكل النظر فيها إلى من أمسى لشروط الاستيجاب جامعاً ونقدم في ولاية هذا المنصب من شفع له استحقاقه وكفى بالاستحقاق شافعاً‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لازال يبسط لأوليائه من بساط الأنس ما كان مطوياً وينيلهم من رغائب الآمال ماكان عنهم من سالف الأزمان مزوياً - أن يفوض إليه قضاة مذهب عالم المدينة وإمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي‏:‏ قدس الله تعالى روحه‏.‏

فليتلق مافوض إليه بأفضل تلق يليق بمثله ويتقبله تقبلا يناسب رفعه محله ويبتهج بأجل تفويض لم يسمح بتمنيه لآخر من قبله‏.‏

ومن أهم مانوصيه به ونوجه القول إليه بسببه تقوى الله تعالى التي هي ملاك الأمر كله وقوام الدين من أصله والاشتمال عليها في سره وجهره والعمل بها في قوله وفعله ثم بر الخلق والإحسان إليهم والتجاوز عنهم إلا فيما أوجبه الشرع من الحقوق عليهم ففي التقوى رضا الله وفي البر رضا الله ورضا الخلق فقد حصل على خير الدنيا والآخرة ووراء ذلك قاعدة في الوصايا جامعة وتذكرة لذوي الذكرى نافعة وهي أن يتأمل أحوال غيره تأمل من جعلها لنفسه مثالاً ولنسجه منوالاً فما ساتحسنه منها أتى مثله وكااستقبحه تحنب فعله واقفاً في ذلك عند ماوردت به الشريعة المطهرة بنص صريح أو تأويل صحيح معرضاً عن العقليات المحضة فلا مجال للعقل في تحسين ولاتقبيح‏.‏

وأما أدب القضاء الجاري ذكر مثله في العهود والنظر في أمر النواب وكتاب الحكم والشهود فهو به أدرب وأدرى وبمعرفة ذلك لهم وعليهم أحق وأحرى غير أنا نوصيه بالتثبت في أمر الدماء وعلاقتها وتحقق حكمها قبل الحكم بإراقتها فإن ذلك لمادة القلق فيها أحسم ومن تبعاتها في الدارين أسلم والوصايا كثيرة ولكنها منه تستفاد وعنه تؤخذ وإليه تعاد والله تعالى يتولاه ويحوطه فيما ولاه ويديم عليه هذه النعمة فما فوق منصبه منصب يتمناه والاعتماد ‏.‏

إن شاء الله تعالى‏.‏

وكتب لست إن بقين من شهر رجب الفرد عام أربع وثمانمائة حسب المرسوم الشريف بمقتضى الخط الشريف‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء القضاة الحنفية بدمشق من إنشاء القاضي ناصر الدين ابن النشائي وهي‏:‏ الحمد لله الذي جعل منار الشرع الشريف مستمراً على الدوام وشمل منصب الحكم العزيز للعالم بعد العالم على ممر الأيام وأجمل انتخاب من يقوم بأعباء القضايا ومن تدوم به مزايا السجايا فيتخير لذلك الإمام بعد الإمام وأقبل بوجه اجتبائه على ولي نتأكد بإنصاته وإنصافه إحكام الأحكام وعدل باعتنائه إلى تعيين من ترتفع به في العلوم أعلام الإعلام ومن يتأيد به الحق في كل نقض وإبرام‏.‏

نحمده على نعمه الوافرة الأقسام السافرة اللثام عن وجوهالزيادة الوسام ونشكره على مننه الجسام ومواهبه التي لاتبرح ثغور إمسانها لذوي ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادة كفيلة بالمرام منيلة للإكرام جميلة التلفظ والالتئام جزيلة الكنف والاعتصام ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أقام الله به شعائر الإسلام وأظهر شرائع الدين الحنيف بحسام نصره الحسام وأورث من أهله من أمته كنوز العلوم التي لاتنفد فوائدها مع كثرة الإنفاق مدى السنين والأعوام صلى الله عليه وعلى آلة وصحبه الذين هوا المؤمنين بإلهام الكلام وعدوا على المشركين بسهام الكلام وأبدوا من إرشادهم إلى خفايا القضايا ما يظهر بتهذيبهم ظهور بدر التمام صلاة دائمة باقية تجزل لقائلها الأجر التام وترسل إليه سحائب المواهب هاطلة الغمام وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من تذهب به مذهبه وتحلى به محمل الشرع الشريف ومنصبه وأنار بنور إرشاده ليل الشك وغيهبه وسهل بتقريبه على فهم الطالب مطلبه وهمى به وابل العلم وصيبه وأتيح به للمستفيد كنزالفوائد التي يدنو بها أربه وشيم من برق شيمه بالشام ماوجد في الجود صادقه وفقد خلبه - من علا في العلوم نسبه وتأكد في الدين سببه وشيد مبني المعالي معربه وصقل مرايا الأفهام مهذبه وزاحم منكب الجوزاء في ارتفاع القدر منكبه وجمل مواكب المباحث في الأصول والفروع موكبه وسحن بدقائق الحقائق سحبه واشتاق إلى قربه موطن الحكم العزيز فما زال يرتقبه وارتاح الزمان إلى عفافه وإنصافه فأرشد حيث نختاره لذلك وننتخبه‏.‏

ولما كان المجلس العالي‏.‏

أيد الله أحكامه هو الذي أرشد الطالبين في البداية وأفاد المنتهين درجات النهاية وأفهم المستفيدين صواب الهداية وغدا سابقاً في حلبة العلماء إلى أقصى غاية‏.‏

كم قرب إلى الأذهان غامض المشكل وأوضح مفهومه وكم أشاع فرائد فوائده التي طبق الأرض بها علومه وكم أباح لقط ألفاظه المشحونه بالحكم فتحلى الناس بدررها المنثورة والمنظومة مع ماله من دينٍ متين واتباع لسنن الحق في الحكم بين للخلق على يقين - اقتضى حسن الرأي الشريف أن يقرن منصب القضاء بجماله وأن يعوض عن إمامه المفقود بإمامه الموجود ليستمر الأمر على حاله‏.‏

فلذلك رسم‏.‏

- لازالت أئمة العلم الشريف في أيامه يخلف بعضهم بعضاً وأقدارهم تدوم رفعتها مدى المدد فلا تجد نقصاً ولانقضاً - أن يفوض‏.‏

فليباشر ذلك بعلمه المأثور وحكمه المشهور وإنصافه الذي يعدل فيه ةاتصافه بالحق الذي مابرح يوفيه قاضياً بين الخصوم بما أمر الله عز وجل مراقباً لخشية الله على عادته مذيعاً للملة الحنيفة أنواع إفادته قاطعاً بنصل نصه مشكل الإلباس جامعاً في أحكامه المسددة بمقتضى مذهبه بين الكتاب والسنة والقياس ومازالت عمدته التي يعتمد عليها وعدته التي يستند في إسناد أمره إليها والله تعالى بجمل الأيام بأحكامه ويببلغ من خير الدنيا والآخرة غاية مراده ومرامه إن شاء الله تعالى‏.‏

وهذه نسخة توقيع بقضاء قضاة المالكية أيضاً أنشأته لقاضي القضاة جمال الدين البساطي المذكور عند عودته إلى الوظيفة لأربع بقين من ذي القعدة سنة سبع وثمانمائة‏.‏

وقد وافق عود شيخ الإسلام جلال الدين عبد الرحمن البلقيني إلى قضاة الشافعية أيضاً وهي‏:‏ الحمد لله الذي أعاد لرتبة القضاء رونق جمالها وأسعد جدها بأسعد قرانٍ ظهرت آثار يمنه بما آثرته من ظهور جلاله وأجاب سؤلها بأجل حاكم لم تعدل عنه يوماً في سؤالها وأسعد طلبتها بأكمل كفء لم تنفك عن خطبته وإن أطال في مطالها وأكرم مآبها بأكرم كافٍ مافاتها منال ماضٍ إلا أدركته به في مآلها‏.‏

نحمده على أن أعطيت القوس باريها وأعيدت مياه الاستحقاق إلى مجاريها وردت الشاردة إلى مالكٍ ألفت منه بالآخرة ماألفت من خيره مباديها‏.‏

ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً يخفق بالإخلاص مناطها ويزداد مع طول الأمد نشاطها ولاينطوي على ممر الأيام - إن شاء الله تعالى - بساطها ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله أفضل نبي رفع قواعد الدين وشاد وقام في الله حق القيام فحسم بسيف الشرع مادة الفساد وأحكم بسد الذرائع سداد الأمور فجرت أحكام شريعته المطهرة على السداد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين استنشق من معدلتهم أطيب عرف وخصوا من صفات الكمال بأحسن حلية وأكمل وصف صلاةً توهي عرا الإلحاد وتفصمها وتبك أعناق أهل وبعد فلاخفاء في أن الأبصار تتشوف لرؤية الهلال مع قرب الغيبة للإخذ منه بنصيبها والشمس يترقب طلوعها في كل يومٍ وإن قرب زمان مغيبها والمسافر يسر بإيابه وإن تكرر قدومه من بعيد المسافة وقريبها والسهران يتطلع من ليلته الطويلة إلى طلوع فجرها والمناصب السنية تأزر إلى مستحقها كما تأرز الحية إلى جحرها‏.‏

ولما كان المجلس العالي القاضوي إلى آخر ألقابه أعز الله تعالى أحكامه هو الذي حمدت في القضاء آثاره وسارت بحسن السيرة في الآفاق أخباره وحسن بحسن تأتيه في الورد والصدر إيراده وإصداره وتنافس في جميل وصفه الطرس والقلم وظهرت فضائله ظهور نار القرى ليلاً على علم ونشرت الأيام من علومه ماتطوى إليه المراحل وجادت مواطر فكره بما يخصب به جناب المربع الماحل وعمرت من منصب القضاء بولايته معاهده وجرت بقضايا الخير في البدء والعود عوائده ونفذت بنفاذ أوامره في الوجود أحكامه ورقم في صحائف الأيام على توالي الدهور نقضه وإبارمه وسجل بثبوت أحقيته فانقطعت دون بلوغ شأوه الأطماع وحكم بموجب فضله فانعقد على صحة تقدمه الإجماع ففراشد فواشده المدونة تؤدن بالبيان والتحصيل ومقدمات تنبيهاته المحققة تكفي نتائج إفضالها عن غلإجمال والتفصيل وجواهر ألفاظه الرائقة نعم الذخيرة التي تقتنى ومدارك معانيه الفائقة حسبك من ثمرة فكر جتنى وتهذيب إيرادته الواضحة تغني في إدراكها عن الوسائل وتحقيق مسائله الدقيقة تحقق فيها أنها عيون المسائل - وكانت وظيفة قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية في رفيع رتبتها ووافر حرمتها قد ألقت إليه مقاليدها ورفعت بالانتماء إلة مجلاسه العالي أسانيدها وعرفت محله الرفيع فتعلقت منه بأعز منال وحظيت بجماله اليوسفي المرة بعد الأخرى فقالت‏:‏ لابراح لي عن هذا الجمال وعجمت بتكرر العود عوده فأعرضت عن السوى وقرت بالإياب إليه عيناً فألقت عصاها واستقر بها النوى - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نعيد الوظيفة المذكورة إليه ونعول في استكشاف مشكلات الإحكام على مالديه إقرار ‏"‏ للأمر في نصابه ورداً له بعد الشراد إلى مثابه وإسعافاً للمنصب بطلبته وإن أتعب غيره نفسه في طلابه‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لازال يبديء المعروف ويعيده ويوفر نصيب الأولياء ويزظيده - أن يفوض إلى المجلس العالي المشار إليه قضاء القضاة بمذهب عالم المدينة وإمام دار الهجرة مالك بن أنس الأصبحي رضي الله عنه على جاري عادته المتقدمة في ذلك وأن يضاف إليه تدريس قبة الصالح ةالأنظار الشاهد بها توقيعه الشرف وأن لايقرر أحد في دروس المالكية من مدرس ومعيد إلا بتعيينه على أتم العوائد وأجملها وأعم القواعد وأكملها‏.‏

فليعد إلى رتبته السنية برفيع قدره وعلى همته ويقابل إحساننا بالشكر نتحفه بمزيد الإقبال إذ لازيادة في العلو على رتبته‏.‏

ثم أول مانوصيه به ونؤكد القول عليه بسببه تقوى الاه التي هي ملاك الأمور كلها وأولى المفترضات في عقد الأمور وحلها فهي العصمة التي من لجأ إليها نجا والوقاية التي ليس لمن حاد عنها من لحاق قوارع الله ملتجا‏.‏

ونتبع ذلك بالتلويح إلى الاحتياط في المسائل التي تفرد بها مذهبه الشريف ضيقاً وسعة واختص بها إمامه الأصبحي دون غيره من الأئمة الأربعة وهي مسائل قليلة آثارها في الورى كثيرة جليلة منها سفك دم المنتقص والساب وتحتم قتله على البت وإن تاب فعليه أن يأخذ في ذلك بالاهتمام ولايعطي رخصة في حق أحدٍ من الأنبياء والملائكة عليهم السلام ليكون ذلك وسيلة إلى الخلوص عن القذى وذريعةً إلى سلامه الشرف الرفيع من الأذى إلا أنا نوصيه بالتثبت في الثبوت وأن لايعجل بالحكم بإراقة الدم فإنه لايمكن تداركه بعد أن يفوت‏.‏

ومنها‏:‏ الشهادة على الخط وإحياء مامات من كتب الأوقاف والأملاك وتقريب ماشط فلايقبل فيه إلا اليقظ الواقف مع تحققه دون حدسه ولايطلق عنان الشهود فإن الكاتب ربما شاتبه عليه خط نفسه - ومنها‏:‏ ثبوت الولاية للأوصياء فيجريها على اعتقاده ولكن إذا ظهرت المصلحة في ذلك على وفق مراده - ومنها‏:‏ إسقاط غلة الوقف إذ استرد بعد بيعه مدة بقائه في يد المشتري يحذيراً من الإقدام على بيع الوقف وعقوبة رادعةً لبائعة المجتري إلى عير ذلك من مسائل الانفراد وما شاركه فيه غيره من المذهب لموافقة الاعتقاد فيمضضي الحكم فيه بأقوى العزائم ويلزم فيها بما استبان له من الحق ولاتأخذه في الله لومة لائم‏.‏

وأما غير ذلك من الوصايا الراجعة إلى أدب القضاء فلديه منها الخبر والخبر ومنه تستملى فوصيته بها كنقل التمر إلى هجر والله تعالى يعامله بلطفه الجميل ويحفه بالعناية الشاملة في المقام والرحيل إن شاء الله تعالى والاعتماد‏.‏

وهذه نسخة توقيع قضاة الحنابلة وهي‏:‏ الحمد لله الذي أطلع في افق الدين القيم شمساً منيرة ورفع درجة من جعله من العلم على شريعة ومن الحكم على بصيرة وقلد أمور الأمة بمن يعلم أن بين يديه كتاباً لايغادر صغيرة ولاكبيرة ووفق لفصل القضاء من مشى على قدم إمامه الذي ادخر منه للحكم في أيامنا الشريفة من نفائس العلماء أفضل ذخيرة وقضى بإرجاء أمره لنختار له من تحلى به بعد العطل وكل قضاءً خيرة وأيقظ عنايتنا لمن رقد الدهر عن فضله فباتت عين الاستحقاق باستقرار رتبته قريرة‏.‏

نحمده حمد من توافت إليه النعم الغزيرة وتوالت عليه المنن الكثيرة في المدد اليسيرة وأخصبت في أيامه رياض الفضائل فهي بكل عالم عدم النظير نضيرة وافتتح دولته برفع منار العدل فآمال أهل الظلم عن تعاطيه قاصرة وأيدي أهل الباطل عن الامتداد إليه قصيرة وخص المناصب في ممالكه بالأكفاء فإذا تلبست بها همم غيرهم عادت خاسئة أو امتدت إليها أبصار من دونهم رجعت حسيرة‏.‏

ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً تصلح العلن والسرية وتصبح بها القلوب موقنةً والألسن ناطقةً والأصابع مشيرة ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي بعث الله به الرسل مخبرةً وأنزل الكتب بمبعثه بشيرة واجتباه في خير أمة من أكرم أرومةٍ وأشرف عشيرة وأظهر أنوار ملته إلا لمن أعمى الغي بصيرته وهل تنفع العمي شمس الظهيرة صلى الله عليه وعلى آله وصحبه صلاة تتقرب بدوامها إلى الله فيضاعفها لنا أضعافاً كثيرة وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى الأمور بأن تشاد قواعده وتتعهد معاهده ويعلى مناره وتفاض بطلوع شمسه أنواره وتكمل به قوى الدين تكملة الأجساد بقوى الطبائع الأربع وتعمر به ربوع الملة التي ليس بعدها من مصيف لملة ولامربع وتثبت به قوائم الشرع التي ماللباطل في إمالة بعضها من مطمع أم رالقضاء على مذهب الإمام الرباني أحمد بن حنبل رضي الله عنه وكان قد خلا بانتقال مباشره إلى الله تعالى وتوقف مدة على ارتياد الأكفاء والإرشاد إلى من هو أهل الاصطفاء واختيار من تكمل به رفعة قدره ويعيد لدسته على بساط سليمانه بهجة صدره‏.‏

ولما كان فلان هو المنتظر لهذه الرتبة انتظار الشمس بعد الغسق والمرتقب لبلوغ هذه المنزلة التي تقدمت إليها بوادر استحقاقه في السبق والمعطوف على الأئمة من أصحاب إمامه - وإن تأخر زمانه - عطف النسق وهو الذي مازال يعدل دم الشهداء مداد أقلامه وتضع الملائكة أجنحتها رضاً بما يصنع من نقل خطواته في طلب العلم وسعي أقدامه ودخل من خشية الله تعالى في زمرة من حصر بإنما وهجر المضاجع في طاعة الله ولتحصيل العلم فلو عدت هجعاته لقلما وهجر في إحراز الفضائل فقيد أوابدها وأحز شواردها ولجج في بحار المعاني فغاص على جواهرها ونظر نظرةً في نجوم العلوم فاحتوى على زهرها وزار خمائل الفضائل فاستوى على أزاهرها وانتهى إليه علم مذهبه فبرز على من سلف وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره فبرز على من سلف وجارى علماء عصره فوقفت أبصارهم عن رؤية غباره وماوقف وتعين عليه القضاء وإن كان فرض كفاية لافرض عين وقدمه الترجيح الذي جعل رتبته همزة استفهام ورتبة غيره بين بين - لاقتضى رأينا الشريف اختصاصه بهذا التمييز والتنبيه على فضله البسيط بهذا اللفظ الوجيز‏.‏

فلذلك رسم أن يفوض إليه كيت وكيت‏.‏

فليتول هذه الرتبة التي أصبح فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - نائباً وبشرعه قائماً ويتقلدها تقلد من يعلم أنه قد أصبح على حكم الله تعالى مقدماً وعلى الله قادماً ويتثبت تثبت من يعتصم بحبل الله تعالى مقدماً وعلى الله قادماً ويتثبت تثبت من يعتصم بحبل الله في حكمه فإن أحد الخصمين قد يكون ألحن بحجته وإن كان ظالماً ويلبس لهذا المنصب حلة تمنع المبطل من الإقدام عليه وتدفع الظالم عن التطاول إلى أمر نزعه الشرع الشريف من يديه ويؤمن الحق من امتداد يد الجور والحيف إليه وليسو بين الخصمين في مجلسه ولحظه مكفوف باستماع حجته عن الطمع في ظلمه ولاينقض حكماً لم يخالف نصاً ولاسنة ولا إجماعاً وليشارك فيما لايجهله من القضايا غيره من العلماء ليتزيد بذلك مع إطلاعه إطلاعاً وليغتنم في ذلك الاستعانة بآرائهم‏:‏ فإن الله تعالى لاينتزع هذا العلم انتزاعاً وليسد مسالك الهوى عن فكره ويصرف دواعي الغضب لغير الله عن المرور بذكره وليجعل العمل لوجه الله نتيجة علمه وليحكم بما أراه الله ‏"‏ والله يحكم لامعقب لحكمه ‏"‏ وهذه نسخة وصية أوردها في التعريف تشمل القضاة الأربعة قال‏:‏ وصية جامعة لقاض من أي مذهب كان وهي‏:‏ وهذه التربة التي جعل الله إليها منتهى القضايا وإنهاء الشكايا ولايكون صاحبها إلا من العلماء الذين هم ورثة الأنبياء ومتولي الأحكام الشرعية بها كما ورث عن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه كذلك يورث حكمه وقد أصبح بيده زمام الأحكام وفصل القضاء الذي يعرض بعضه بعده على غيره من الحكام ومامنهم إلا من ينقد نقد الصيرفي وينفذ حكمه نفاذ المشرفي فليترو في أحكامه قبل إمضائها وفي المحاكمات إليه قبل فصل قضائها وليراجع الأمر مرة بعد مرة حتى يزول عنه الالتباس ويعاود فيه بعد التأمل كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإجماع والقياس وماأشكل عليه بعد ذلك فليجل ظلمه بالاستخارة وليحل مشكلة بالاستشارة ولاير نقصاًعليه إذا استشار فقد أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بالشورى ومر من أول السلف من جعلها بينه وبين خطأ الاجتهاد سوراً فقد يسنح للمرء ماأعيا غيره وقد أكثر فيه الدأب ويتفطن الصغير لما لم يفطن إليه الكبير كما فطن ابن عمر رضي الله عنهما للنخلةو ومامنعه أن يتكلم إلا صغر سنه ولزوماً مع من هو أكبر منه للأدب ثم إذا وضح له الحق قضى به لمستحقه وسجل له به وأشهد على نفسه بثبوت حقه وحكم له به حكماً يسره يوم القيامة أن يراه وإذا كتب له به ذكر بخير إذا بلي وبقى الدهر ماكتبت يداه‏.‏

وليسوا بين الخصوم حتى في تقسيم النظر حتى لايدخل عليه زيف وليتحر في استيداء الشهادات فرب قاض ذبح بغير سكين وشاهدٍ قتل بغير سيف ولايقبل منهم إلا من عرف بالعدالة وألف منه أن يرى أوامر النفس أشد العدا له - وغير هؤلاء ممن لم تجر له بالشهادة عادة ولاتصدى للارتزاق بسحتها ومات وهو حي على الشهادة فليقبل منهم من لايكون في قبول مثله ملامة فرب عدلٍ بين منطقةٍ وسيف وفاسقٍ في فرجيه وعمامة - ولينقب على مايصدر من العقود التي يؤسس أكثرها على شفا جرف هار ويوقع في مثل السفاح إلا أن الحدود تدرأ بالشبهات ويبقى العار - وشهود اتلقيمة الذين يقطع بقولهم في حق كل مستحق ومال كل يتيم ويقلد شهاداتهم على كل أمر عظيم فلا يعول منهم إلا على كل رب مالٍ عارفٍ لاتخفى عليه القيم ولا يخاف معه خطأ الحدس وقد صقل التجريب مرآة فهمه على طول القدم‏.‏

وليتأن في ذلك كله أناةً لاتقضي بإضاعة الحق ولاإلى المطاولة التي تقضي إلى ملل من استحق وليمهد لرمسه ولايتعلل بأن القاضي أسير الشهود وهو كذلك وإنما يسعى لخلاص نفسه - والوكلاء هم البلاء المبرم والشياطين المسولون لمن توكلوا له الباطل ليقضى به وإنما تقطع لهم قطعة من جهنم فليكف بمهابته وساوس أفكارهم ومساوي فجارهم ولايدع لمحجنى أحدٍ منهم ثمرةً إلا ممنوعة ولايد اعتداء تمتد إلا مغلولة إلى عنقه أو مقطوعة وليطهر بابه من دنس الرسل الذين يمشون على غير الطريق وإذا رأى واحد منهم درهماً ود لو حصل في يده ووقع في نار الحريق وغير هذا مما لايحتاج به مثله أن يوصى ولاأن يحصى عليه منه أفراد عمله وهو لايحصى ومنها النظر في أمور أوقاف أهل مذهبه نظر العموم فليعمرها بجميل نظره فرب نظرة أنفع من الغيوم وليأخذ بقلوب طائفته الذين خص من بينهم بالتقديم وتفاوت بعد ما بينه وبينهم حتى صار يزيل عارض الرجل منهم النظرة منه ويأسو جراحه منه التكليم‏.‏

وهذه الوصايا إنما ذكرت على سبيل الذكرى وفيه - بحمد الله - أضعافها ولهذا وليناه والحمد لله شكرا وقد جعلنا له أن يستنسب من يكون بمثل أوصافه أو قريباً من هذه المثابة ومن يرضى له أن يحمل عنه الكل ويقاسمه ثوابه وتقوى الله تعالى هي جماع الخير ولاسيما لصاحب هذه الوظيفة ولمن وليها أصلاً وفرعاً لايستغني عنها رب حكم مطلق التصرف ولاخليفة‏.‏

ويزاد الشافعي‏:‏ وليعلم أنه صدر المجلس وأنه أدنى القوم وإن كانوا أشباهه منا حيث نجلس وأنه ذو الطيلسان الذي يخضع له رب كل سيف ويبلس وليتحقق أنه إنما رفعه علمه وتقاه وأن سبب دينه لادنياه هو الذي رقاه فليقدر حق هذه النعم وليقف عند حد منصبه الذي يود لو اشترى سواد مداده بحمر النعم‏.‏

ويقال في وصيته‏:‏ وأمر دعاوى بيت المال المعمور ومحاكماته التي فيها حق كل فردٍ فرد من الجمهور فليحترز في غاية الاحتراز وليعمل بما يقتضيه لها الحق من الصيانة والإحراز ولايقبل فيها كل بينة للوكيل عن المسلمين فيها مدفع ولايعمل فيها بمسألة ضعيفة يظن أنها ماتضر عند الله فإنها ماتنفع وله حقوق فلايجد من يسعى في تملك شيءٍ منها بالباطل منه إلا الياس ولايلتفت إلى من رخص لنفسه وقال‏:‏ ‏"‏ هو مال السلطان ‏"‏ فإنه مالنا فيه إلا مالواحدٍ من الناس‏.‏

وأموال الأيتام ومنهم صغار لايهتدون إلى غير الثدي للرضاع ومنهم حمل في بطون الأمهات فليأمر المتحدثين لهم بالإحسان إليهم وليعرفهم بأنهم سيجزن في بينهم بمثل مايعملون معهم إذا ماتوا وتركوا مافي يديهم وليحذر منهم من لاولد له‏:‏ ‏"‏ وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذريةً ضعافاً خافوا عليهم ‏"‏‏.‏

وليقص عليهم في مثل ذلك أنباء من سلف تذكيراً وليتل عليهم القرآن ويذكرهم بقوله تعالى‏:‏ ‏"‏ إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً ‏"‏‏.‏

والصدقالت الموكولة إلى تصريف قلمه المأكولة بعدم أمانة المباشرين وفي في ذممه يتيقظ لإجرائها على السداد في صرفها في وجوه استحقاقها والعمل بما لا يجب سواه في أخذها وإنفاقها والمسائل التي تفرد بها مذهبه وترجح عنده بها العمل وأعد عنها الجواب لله إذا سأل لايعمل فيها بمرجوح إلا إذا كان نص مذهب إمامه أو عليه أكثر الأصحاب ولرآه قد حكم به أهل العلم ممن تقدمه لرجحانه عنده وللاستصحاب‏.‏

ونواب البر لايقلد منهم إلا من تحقق استحقاقه فإنه إنما يوليه على مسلمين لاعلم لأكثرهم فهم إلى ذي العلم أشد فاقة هذا إلى مايتعرف من ديانتهم ومن عفافهم الذي يتجرع المرء منهم به مرارة الصبر من الفاقة وهو به يتحلى ثم لايزال له عين عليهم فإن الرجال كالصناديق المقفلة لايعرف الرجل ماهو حتى ويزاد الحنفي‏:‏ وليعلم أن إمامه أول من دون الفقه وجمعه وتقدم وأسبق العلماء من تبعه وفي مذهبه ومذاهب أصحابه أقوال في المذهب ومسائل مالحقه فيها مالك وهو أول من جاء بعده وممن يعد من سوابقه أشهب ومن أهمها تزويج الصغائر وتحصينهن بالأكفاء من الأزواج خوفاً عليهن من الكبائر وشفعة الجوار التي لة لم تكن من رأيهم لما أمن جار السوء على رغم الأنوف ولأقام الرجل الدهر ساكناًفي داره بين أهله وهو يتوقع المخوف وكذلك نفقة المعتدة التي هي بالتي تستطيع أن تتزوج من رجل ينفق عليها من ماله ومن استدان مالاً فأكله وادعى الإعسار ولفق له بينةً أراد أن تسمع له ولم يدخل الحبس ولا أرهق من أمر الإعسار وأهل مذهبه على أنه يسجن ويمكث مدة ثم إذا أدعى أن له بينة ‏"‏ أحضرت ثم هل تقبل أو لا‏.‏

فهذا وأمثاله مما فيه عموم صلاح وعظيم نفع مافيه جناح فيقض في هذا كله إذا رآه بمقتضى مذهبه وليهتد في هذه الآراء وسواها بقمر إمامه الطالع أبي حنيفة وشبهه وليحسن إلى فقهاء أهل مذهبه الذين أدنى إليه أكثرهم الاغتراب وحلق بهم إليه طائر النهار حيث لايحلق البازي وجناح الليل حيث لايطير الغراب وقد تركوا وراءهم من البلاد الشاسعة والأمداد الواسعة مايراعى لهم حقه إذا عدت الحقوق ويجمعه وإياهم به أبواه أبو حنيفة ومامثله من ينسب إلى العقوق‏.‏

ومذهبه له السيف المصلت على من كفر والمذهب بدم من طل دمه وحصل به الظفر من عدا قدره الوضيع وتعرض إلى أنبياء الله صلوات الله عليهم بالقول الشنيع فإنه إنما يتقل بسيفه المجرد ويراق دمه تعزيزاً بقوله الذي به تفرد ولم يزل سيف مذهبه لهم بارز الصفحة مسلماً لهم إلى مالك خازن النار من مذهب مالكٍ الذي مافيه فسحة وفي هذا مايصرح غدر الدين من القذى ومالم تطل دماء هؤلاء ‏"‏ لايسلم الشرف الرفيع من الأذى ‏"‏ ولإنما نوصيه بالتحري في الثبوت والبينة التي لايستدرك بها مايفوت وإنما هو رجل يحيا أو يموت فليتمهل قبل بت القضاء وليعذر إليهم لاحتمال ثبوت تفسيق الشهود أو بغضاء حتى لايعجل تلافاً ولايعجل بما لايتلافى فكما أننا نوصيه أن لاينقض في شد الوثاق عيهم إبارماً فهكذا نوصيه أن لايصيب بغير حقه دماً حراماً وكذلك قبول الشهادة على الخط وإحياء مامات من الكتب وإدناء ماشط فهذا مما فيه فسحة للناس للناس وراحة مافيها ياس إلا أنه يكون الثبوت بهذه البينة لللاتصال لالنزع يدٍ ولاإلزام بمجردها بمال وهذا مايراه من ولاية الأوصياء وهو مما تفرد به دون البقية وفيه مصلحة وإلا فما معنى الوصية وهو زيادة احتراز ماتضر احتراز ماتضر مراعاة مثلها في الأمور الشرعية وسوى هذا مثل إسقاط الريع في وقف استرد وقد بيع وعطل المشتري من التكسب بذلك المال مدة لايشتري ولايبيع وهذا مما يبت قضاءه في مثله ويجعل عقاب من أقدم على بيع الوقف إحرامه مدة البيع من مغله وسوى ذلك مما عليه العمل ومما إذا قال فيه قال وإذا حكم عدل‏.‏

وفقهاء مذهبه في هذه البلاد قليل ماهم وهم غرباء فليحسن مأواهم وليكرم بكرمه مثواهم وليستقر بهم النوى في كنفه فقد ملوا طول الدرب ومعاناة السفر الذي هو أشد الحرب ولينسهم أوطانهم ببره ولايدع في مآقيهم دمعاً يفيض على الغرب‏.‏

ويزاد الحنبلي‏:‏ والمهم المقدم - وهو يعلم ماحدث على أهل مذهبه من الشناعة وما رموا به من الأقوال التي نتركها لما فيها من البشاعة ونكتفي به في تعفية آثارها وإماطة أذاها عن طرق مذهبه لتأمن السالكة عليه من عثارها فتعالى الله أن يعرف بكيف أو يجاوب السائل عنه بهذا إلا بالسيف والانضمام إلى الجماعة والحذر من الانفراد وإقرار آيات الصفات على ماجاءت عليه من الاعتقاد وأن الظاهر غير المراد والخروج بهم إلى النور من الظلماء وتأويل مالابد من تأويله مثل حديث الأمة التي سئلت عن ربها‏:‏ أين هو فقالت في السماء وإلا ففي البلية بإثبات الجهة مافيها من الكوارث ويلزم منها الحدوث والله سبحانه وتعالى قديم ليس بحادثٍ ولامحلاً للحوادث وكذلك القول في القرآن ونحن نحذر من تكلم فيه بصوت أو حرف فما جزاء من قال بالصوت إلا سوط وبالحرف إلا حتف ثم بعد ههذا الذي يزع به الجهال ويرد دون غايته الفكر الجوال ينظر في أمور مذهبه ويعمل بكل ماصح نقله عن إمامه وأصحابه‏:‏ من كان منهم في زمانه ومن تخلف عن أيامه فقد كان رحمه الله إمام حق نهض وقد قعد الناس تلك المدة وقام نوبة المحنة مقام سيد تيم - رضي الله عنه - نوبة الردة ولم تهب به زعازع المريسي وقد هبت مريساً ولا ابن أبي داود وقد جمع له كل ذود وساق إليه من كل قطر عيساً ولانكث عهدة ماقدم له المأمون في وصية أخيه من الموائق‏.‏

ولاروعه سوط المعتصم وقد صب عليه عذابه ولاسيف الواثق فليقف على أثره وليقف بمسندهلى مذهبه كله أو أكثره وليقض بمفرداته ومااختاره أصحابه الأخيار وليقلدهم إذا لم تختلف عليه الأخبار وليحترز لدينه في بيع مادثر من الأوقاف وصرف ثمنه في مثله والاستبدال لما فيه المصلحة لأهله والفسخ على من غاب مدةً يسوغ في مثلها الفسخ وترك زوجةً لم يترك لها نفقة وخلاها وهي مع بقائها في زوجيته كالمعلقة وإطلاق سراحها لتتزوج بعد ثبوت الفسخ بشروطه التي يبقى حكمها به حكم المطلقة وفيما يمنع مضاره الجار ومايتفرع على قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لاضرر ولاضرار ‏"‏ وأمر وقف الإنسان على نفسه وإن رآه سوى أهل مذهبه وطلعت به أهلة عليماء لولاهم لما جلا الزمان جنح غيهبه وكذلك الجوائح التي يخفف بها عن الضعفاء وإن كان لايرى بها الإلزام ولاتجري لديه إلا مجرى المصالحة بدليل الالتزام وكذلك المعاملة التي للولا الرخصة عندهم فيما لم أكل أكثر الناس إلا الحرام المحض ولاأخذ قسم الغلال والمعامل هو الذي يزرع البذور ويحرث الأرض وغير ذلك مما هو من مفرداته التي هي للرفق جامعة وللرعايا في أكثر معايشهم وأسبابهم نافعة فإذا استقرت الفروع كانت الأصول لها جامعة‏.‏

وفقهاء مذهبه هم الفقراء لقلة المحصول وضعف الأوقاف وهي على الرقة كالرماح المعدة للثقاف فخذ بخواطرهم ومد آمالهم في غائب وقتهم وحاضرهم واشملهم بالإحسان الذي يرغبهم ويقل به طلبهم لوجوه الغنى ويكثر طلبهم‏.‏

  الطبقة الثانية من أرباب الوظائف الدينية أصحاب التواقيع

وتشتمل على مراتب المرتبة الأولى ما كان يكتب في النصف بالمجلس العالي كما كان يكتب للقضاة الأربعة أولاً وقد تقدم المرتبة الثانية ما يكتب في قطع الثلث بالسامي بالياء واعلم أن الأصل فيما يكتب من التواقيع أن يفتتح بأما بعد إلا أن الكتاب قد تسامحوا فيه فافتتحوا لمن علت رتبته حيث اقتضى الحال الكتابة له في الثلث بالحمد لله وأبقوا من انحطت رتبته عن ذلك على ماكان عليه الافتتاح بأما بعد وهاأنا أورد ماسنح من ذلك مما أنشأه الكتاب الوظيفة الأولى قضاء العسكر وقد تقدم في المقالة الثانية أن موضوعها التحدث في الأحكام في الأسفار السلطانية وأن له مجلساً يحضره بدار العدل في الحضر‏.‏

وقد جرت العادة أن يكون قضاة العسكر أربعة‏:‏ من كل مذهب قاض‏.‏

وهذه نسخة توقيع شريفٍ بقضاء العسكر المنصور بالحضرة السلطانية وهي‏:‏ الحمد لله الذي رفع للعلم الشريف في أيامنا الزاهرة مناراً وزاد بإعلاء رتب أهله دولتنا القاهرة رفعةً وفخاراً وزان أحكامه الشريفة بحكامه الذين طلعوا في غياهب مشكلاته بدوراً وتدفقوا في إفاضته في الأحكام الشرعية بحاراً‏.‏

نحمده على نعمه التي حلت فحلت ومننه التي أهلت الجود فاستهلت‏.‏

ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تكون لقائلها ذخراً وتعلي للمتمسك بها في الملأ ذكراً ونشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي هو أسبق الأنبياء رتبة وإن كان آخرهم عصراً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين أضحوا للمقتدين بهم شموساً منيرة وللمهتدين بعلومهم نجوماً زهراً صلاةً لاتزال الألسن تقيمها والأسماع تستديمها وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من نوهنا بذكره ونبهنا على رفعة قدره وأطلقنا ألسنة الأقلام في وصف مفاخره وشكره وأثلنا قواعد مجده التي لو رام بنان البيان استقصاءها حال الحصر دون حصره ونفذنا كلم حكمه ورفعنا في أندية الفضائل ألوية فنونه وأعلام نصره من لم يزل دم الشهداء بعدل مداد أقلامه وتقيم منار الهدى أدلة فضائله وشواهد أحكامه وتوضح الحق حتى يكاد المتأمل يلحظ الحكم لوضوحه ويبصره وينصر الشرع بأمداد عليمه ولينصرن الله من ينصره وشيد مذهب إمامه الإمام الفلاني فأصبح فسيح الأرجاء وإن لم يكن فيه فسحة وجدد قواعد العدل في قضايا العددل في قضايا عساكرنا المنصورة فهو مشاهد من كلمه ومن نظره في لمحة ملحة‏.‏

ولما كان فلان هو الذي نعتنا بما تقدم من الخطاب خلائقه الحسنى وأثنينا على ماهو عليه من الإقبال على جوهر العلم دون التعرض إلى العرض الأدنى مع ماحواه من مواد فضائل تزكو على كثرة الإنفاق وفرائد فوائد تجلب علي أيدي الطلبة إلى الآفاق وقوة في الحق الذي لاتأخذه فيه لومة لائم وعدل أحكام في الخلق ألذ من سنة الكرى في جفن نائم - اقتضى حسن الرأي الشريف أن نوطد في عساكرنا المنصورة قواعد أحكامه ونوطن كلاً منهم على أنه تحت مايمضيه في أقضيته النافذه من نقضه وإبرامه‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف أن يفوض إليه قضاء العساكر المنصورة الشريفة‏.‏

على أجمل العوائد وأكمل القواعد وأن تبسط كلمته في كل مايتعلق بذلك من أحكام الشرع الشرف فليحكم في ذلك كله بما أراه الله من علمه وآتاه من حكمه وحكمه وبين له من سبل الهدى وعينه لبصيرته من سنن نبيه صلى الله عليه وسلم التي من حاد عنها فقد جار واعتدى وليقف من الأحكام عندما قررته الشريعة المطهرة من أحكام الله التي لايعقلها إلا العالمون ويأمر كلاً من المتقاضين بالوقوف عندما حد له‏:‏ ‏"‏ من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ‏"‏‏.‏

والوصايا وإن كثرت فمن مثله تفاد وإن جلت فسمعه في غنى عما يبدأ له منها ويعد وملاكها تقوى الله تعالى التي هي شعار أنسه وحلية يومه وأمسه والله تعالى يسدده في القول والعمل ويوفقه لما يرضاه ويصونه من الخطأ والخطل‏.‏

وهذه وصية لقاضي العسكر أوردها في التعريف وهي أن يقال‏:‏ وهو الحاكم حيث لاتنفذ إلا أقضية السيوف ولاتزدحم الغرماء إلا في مواقف الصفوف والماضي قلمه وكل خطي يمد بالدماء والممضى سجله وقد طوى العجاج كالكتاب سجل السماء وأكثر مايتحاكم إليه في الغنائم التي لم تحل لأحد قبل هذه الأمة وفي الشركة وماتطلب فيه القسمة وفي المبيعات ومايرد منها بعيب وفي الديون المؤجلة ومايحكم فيها بغيب وكل هذا مما لايحتمل طول الأناة في القضاء واشتغال الجند المنصور عن مواقف الجهاد بالتردد إليه بالإمضاء فليكن مستحضراً لهذه المسائل ليببت الحكم في وقته ويسارع السيف المصلت في ذلك الموقف ببته وليعلم أن العسكر المنصورهم في ذلك الموطن أهل الشهادة وفيهم من يكون جرحه تعديلاً له وزيادة فليقبل منهم من لاتخفى عليه سيما القبول ولايرد منهم من لايضره أن يرده هو وهو عند الله مقبول وليجعل له مستقراً معروفاً في المعسكر يقصد فيه إذا نصبت الخيام وموضعاً يمشي فيه ليقضي فيه وهو سائر وأشهر ماكان على يمين الأعلام وليلزم ذلك طول سفره وفي مدد المقام و لايخالفه ليبهم على ذوي الحوائج فما هو بالصالحية بمصر ولابالعادلية الشام وليتخذ معه كتاباً تكتب للناس وإلا فمن أين يوجد مركز الشهود وليسجل لذي الحق بحقه وإلا فما أنسد باب الجحود وتقوى الله هي التي بها تنصر الجنود ومالم تكن أعلى ما يكون على أعلام الرحب وإلا فما الحاجة إلى نشر البنود‏.‏

  الوظيفة الثانية إفتاء دار العجل

وموضوعها الجلوس بدار العدل حيث يجلس السلطان لفصل الحكومات والإفتاء فيما لعله يطرأ من الأحكام بدار العدل‏.‏

وهي وظيفة جليلة لصاحبها مجلس بدار العدل يجلسه مع القضاة الأربعة ومن في معناهم‏.‏

وهذه نسخة توقيع لمن لقبه جمال الدين ينسج على منوالها وهي‏:‏ الحمد لله جاعل العلم للدين جمالاً وللدنيا عصمةً وثمالاً ولأسباب النجاة والنجاح شارةً إذا تحلى بها ذو لاتمييز كان أحسن ذوي المراتب حالاً وأجلهم في الدراين مبدأ ومآلاً وأحقهم برتبة التفضيل التي ضربت لها السنة المطهرة فضل البدر على الكواكب مثالاً‏.‏

نحمده على نعمه التي خصت دار عدلنا الشريف من العلماء بأكفائها واصطفت لما قرب من مجلسنا المعظم من دل على أن التأييد قرين اصطفائها‏.‏

ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً يفتر عن شنب الصواب ثغرها ويتفتح عن فصل الخطاب زهرها ونشهد أن سيدنا محمداً عيده ورسوله المخصوص بمحكم التنزيل المنصوص في الصحف المنزلة على ذكر أمته الذين علماؤهم كأنبياء بني اسرائيل صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين هم كالنجوم المشرقة من اقتدى به اهتدى وكالرجوم المحرقة من اعتدى وجد منها شهاباً رصدا وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى ماارتدنا له من رياض العلم من سما فيه فرعه ورحب بتلقي أنواع العلوم ذرعه وبسقت في فنون الفضائل أفناهن ونسقت فرائد الفوائد في سلك الطروس بنانه - فتيا دار عدلنا الشريف التي أحكامنا لها تابعة و أغصان العدل بثمار فتاويها مورقة يانعة وأعيينا إلى أفواه مفتيها رامقة وآذاننا لمقالاتهم سامعة‏.‏

ولما كان فلان هو ثمرة هذا الارتياد ونخبة هذا الانتقاد المعقود عليه في اختيار العلماء بالخناصر والعريق في أصالة العلوم بأصالةٍ ثابتة الأواصر والذي إذا أجاب تدفقت أنواء الفوائد وتألقت أضواء الفرائد واتخذت مسائل فقهه قواعد تترتب الأحكام الشرعية عليها ومصادر وحيه موارد - اقتضت آراؤنا الشريفة أن نوين بهجة هذه الوظيفة بجماله وننزه إشراقها بنور فضائله التي لو قابلها بدر الأفق نازعته حلة كماله‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف - لازالت أحكامه مع أوامر الشرع الشريف واقفة ومعدلته الشريفة باقتفاء آثار الحق لمشتكيات الظلم كاشفة - أن يفوض إليه كذا‏:‏ فليباشر هذه الوظيفة السنية مفجراً ينابيع العلوم في أرجائها محققاً للفتاوى بتسهيل مواردها وتقريب أوجائها موضحاً طرقها بإقامة براهينه وأدلته مبدياً دقائقها التي يشرق بها أفق الفكر إشراق السماء بنجومها والأفق بأهلته مظهراً من غوامضها مايقرب على الأفهام مناله ويفسح لجساد القرائح مجاله وينقح لكل ذي ترو رويته ولك مرتجل بديهته وارتجاله فإنه الكامل الذي قطع إلى بلوغ الغاية مسالك الليالي والإمام الذي غاص فكره من كل بحر لجج المعاني فاستخرج منها مكنون اللآلي مع أن علمه المهذب غني عن تنبيه الوصايا ملي بما يلزم هذه الوظيفة من الخصائص والمزايا فإن البحر يأبى إلا تدفقاً والبدر إلا تألقاً والله تعالى يزيده من فضله ويزين به أفق الوظيفة الثالثة الحسبة وقد تقدم أن موضوعها التحدث على أرباب المعايش والصنائع والأخذ على يد الخارج عن طريق الصلاح في معيشته وصناعته‏.‏

وحاضرة الديار المصرية تشتمل على حسبتين‏:‏ الأولى - حسبة القاهرة‏:‏ وهي أعلاهما قدراً وأفخمهما رتبة ولصاحبها مجلس بدار العدل مع القضاة الأربعة وقضاة العسكر ومفتي دار العدل وغيرهم وهو يتحدث في الوجه البحري من الديار المصرية في ولاية النواب وعزلهم‏.‏

قلت‏:‏ ولم تزل الحسبة تولى للمتعممين وأرباب الأقلام إلى الدولة المؤيدية شيخ فولاها للأمير سيف الدين منكلي بغا الفقيه أمير حاجب مضافة إلى الحجوبية‏.‏

على أن في سجلات الفاطميين مايشهد لها في الزمن المتقدم‏.‏

وربما أسندت حسبة القاهرة إلى والي القاهرة وحسبة مصر إلى والي مصر‏.‏

وهذه نسخة توقيع من ذلك وهي‏:‏ الحمد لله مجدد عوائد الإحسان ومجري أولياء دولتنا القاهرة في أيامنا الزاهرة على ماألفوه من الرتب الحسان ظن ومضاعف نعمنا على من ىجتنى لنا بحسن سيرته الدعاء الصالح من كل لسان‏.‏

نحمده على نعمه التي لاتحصى بعدها ولاتحصر بحدها ولاتستزاد بغير شكر آلاء المنعم وحمدها‏.‏

ونشهد أن لاإله إلا الله لاشريك له شهادة نقيمها في كل حكم وتحاول سيوفنا جاحديها فتنهض فتنطق بالحجة عليهم وهم بكم ونشهد أن محمداً عبده ورسوله أشرف من ائتمر بالعدل والإحسان وأعدل آمر أمته بالوزن بالقسط وأن لايخسروا الميزان صلى الله عليه وعلى آله وصحيه الذين احتسبوا في سبيل الله جل عتادهم واحتبسوا أنفسهم في مقاطعة أهل الكفر وجهادهم فلا تنتهب جنائبها في الوجود وتسري نجائبها في التهائم والنجود وسلم تسليماً كثيراً‏.‏

وبعد فإن أولى من دعاه إحساننا لرفع قدره وإنارة بدره وإعلاء رتبته وإناء منزلته وإعلام مخلص الأولياء بمضاعفة الإحسان إليه أن الله لايضيع أجر من أحسن عملاً وأن كرمنا لايخيب لمن أسلف سوابق طاعته في أيامنا الشريفة أملاً من لم تزل خدمه السابقة إلى الله مقربة وعن طرق الهوى منكبة وبالله مذكرة وعلى الباقيات الصالحات من الأعمال موفرة مع ماأضافه إلى ذلك من أمر بمعروف وإغاثة ملهوف ونهي عن منكر واحتساب في الحق أتي فيه بكل ماتحمد خلائقه وتشكر واجتناب لأعراض الدنيا الدنية واجتهاد لما يرضي الله ويرضينا من اتباع سيرتنا السرية وشدة في الحق حتى يقال به ويقام ورفق بالخلق إلا في بدع تنتهك بها حرمة الإسلام أو غش إن لم يخص ضرره الخاص فإن ذلك يعم العام‏.‏

ولما كان فلان هو الذي اختص من خدمتنا بما رفعه لدينا وأسلف من طاعتنا مااقتضى تقريبه منا واستدعاءه إلينا ونهض فيما عدقناه به من مصالح الرعايا وكان مشكور المساعي في كل ماعرض من أعماله في ذلك علينا - اقتضى رأينا الشرف أن يفوض إليه كذا فليستقر في ذلك مجتهداً في كل ما يعم البرايا نفعه ويجمل لديهم وقعه ويمنع من يتعرض باليسار إلى مالهم بغير حق أو يضيق بالاحتكار على ضعفائهم مابسط الله لهم من رزق ويذب عنهم بلإقامة الحدود شبه تعطيلها ويعرفهم بالمحافظة على الحق في المعاملات قواعد تحريمها وتحليلها ويريهم بالإنصاف نار القسطاس المستقيم لعلمه يبصرون ويؤدب من يجد فيهم من المطففين‏:‏ الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ويأمر أهل الأسواق بإقامة الجماعات والجمع ويقابل من تخلف عن ذلك بالتأديب الذي يردع من أصر فيه على المخالفة ويزع ويلزم ذوي الهيئات بالصيانة التي تناسب مناصبهم وتوافق مراتبهم وتنزه عن الأدناس مكاسبهم وتصون عن الشوائب شاهدهم وغائبهم ولايمكن ذوي البيوع أن يغبنوا ضعفاء الرعايا وأغبياءهم ولايفسح لهم أن يرفعوا على الحق أسعارهم ويبخسوا الناس أشياءهم‏.‏

وليحمل كلاً منهم على المعاملات الصحيحة والعقود التي غدت لها الشريعة الشريفة مبيحة ويجنبهم العقود الفاسدة والحيل التي تغر بتدليس السلع الكاسدة وهو أخبر بالبيوع المنصوص على فسادها في الشرع الشريف وأدرى بملا في عدم تحريرهم المكابيل والموازين من الإخسار والتطفيف فليفعل ذلك في كل مايجب ويحتسب فيه مايدخره عند الله ويحتسب ولتكن كلمته في ذلك مبسوطة ويد تصرفه في جميع ذلك محيطة وبما يستند إليه كم أوامره محوطة ويقدم تقوى الله على كل أمر ويتبع فيه رضا الله تعالى لارضا زيد وعمرو والخط الشريف أعلاه‏.‏

وهذه نسخة توقيع من ذلك بحسبة الفسطاط المعبر عنه الآن بمصر عوداً إليها وهي‏:‏ الحمد لله الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الشاهد بالعدل الذي تقوى به كلمة الإيمان وتنصر والغامر بالجود الذي لايحصى والفضل الذي لايحصر العامر ربوع ذوي البيوت بتقديم من انعقدت الخناصر على فضله الذي لايجحد ولاينكر‏.‏

‏.‏

نحمده على نعمه التي لاتزال ألسنة الأقلام ترقم لها في صحف الإنعام ذكراً وتجدد لها بإصابة مواقع الإحسان العام شكراً ونشهد أن لاإله إلا الله وحده لاشريك له شهادةً تصدع بنورها ليل الشرك فيؤول فجراً ونشهد أ سيدنا محمداً عبده ورسوله الذي قمع الله به من اغتر بالمعاصي وغرر وأقام بشريعته لواء الحق الأطهر ومنار العدل الأظهر وعلى آله وصحبه الذين سلكوا من الهدايا بإرشاده منهج الحق الأنور واحتسبوا نفوسهم في نصرته ففازوا من رضاه بالحظ الأوفى والنصيب الأوفر‏.‏

وبعد فإن الله تعالى لما جعل كلمتنا المبسوطة على العدل والإحسان مقصورة وأوامرنا الشريفة بإقامة منار المعروف ممؤيدةً منصورة وأحكامنا المشهورة بالإنصاف في صحائف الدهر بالمحاسن مسطورة وألهمنا من اتباع الشرع الشريف ماغدت به قلوب الرعايا آمنة مسرورة - قصدنا أن نختار لمراتب الديانة والعفاف من لم يزل بيته بالصدارة عليا ووصفه بأنواع المحامد والممادح ملياً‏.‏

ولما كان فلان هو الذي ورث بالسيادة عن سلف طاهر وتلقى السعادة عن بيت فروعه التقوى فأزرت بالروض الزاهي الزاهر وسرت سرائره بحسن سيرته وسيره وأبطن من الديانة ما أظهرته أدلة خيره وتنقل في المراتب الدينية الدينية فأربى في حسن السلوك على غيره وسلك من الأمانة الطريق المثلى واعتمد ماعدم بع مضاهياً ومثلاً وجنى مانطق بإنصافه فضل الكيل والميزان ورجاه من أهل الخير كل ذي إحسان وخشية أهل الزيغ والبهتان وكانت الحسبة المباركة بمصر المحروسة قد ألفت قضاياه وأحكامه وعرفت بالخير معروفة وشكرت نقضه وإبارمه فارقها على رغمها منه اختياراً وعادت له خاطبةً عقيلة نزاهته التي لا تجارى‏.‏

فلذلك رسم بالأمر الشريف العالي أن يفوض إليه كذا‏.‏

فليقدم خيرة الله في مباشرة هذه الوظيفة وليقم منارها بإقامة حدودها الشريفة ولينظر في الكيل والميزان اللذين هما لسان الحق الناطق ولينشر لواء العدل الذي طالما خفقت بنوده في أيامنا حتى غدا قلب المجرم وليحسن النظر في المطاعم والمشارب وليرع أهل البدع ممن مستخف بالليل وسارب وفيه - بحمد الله تعالى - من حسن الألمعية مايغني عن الإسهاب في الوصايا ويعين على السداد في نفاذ الأحكام وفصل القضايا وكيف لاوهو الخبير بمايأتي ويذر والصدر الذي لايعدو الصواب إن ورد أو صدر والله تعالى يعمر به للعدل معلماً ويكسوه بالإقبال في أيامنا الشريفة ثوباً بالثواب معلماً والخط الشريف أعلاه حجة بمقتضاه‏.‏

وهذه وصية محتسب أوردها في التعريف وهي‏:‏ وقد ولي أمر هذه الرتبة ووكل بعينه النظر في مصالح المسلمين لله حسبة فلينظر في الدقيق والجليل والكثير والقليل ومايحصر بالمقادير وما يحصر ومايؤمر فيه بمعروف أو ينهي عن منكر ومايشتري ويباع ومايقرب بتحريره إلى الجنة ويبعد من النار ولو لم يكن قد بقي بينه وبينها إلا قدر باع أو ذراع وكل مايعمل من المعايش في نهار أوليل ومالايعرف قدره إلا إذا نطق لسان الميزان أو تكلم فم الكيل‏.‏

وليعمل لديه معدلاً لكل عمل وعيار ‏"‏ إذا عرضت عليه المعايير يعرف من جار ومن عدل وليتفقد أكثر هذه الأسباب ويحذر من الغش فإن الداء أكثره من الطعام والشراب وليتعرف الأسعار ويستعلم الأخبار في كل سوق من غير إعلام لأهله ولا إشعار وليقم عليهم من الأمناء من ينوب عنه في النظر ويطمئن به وإن غاب إذا حضر ويأمره بإعلامه بما أعضل ومراجعته مهما أمكن فإن رأي مثله أفضل‏.‏

ودار الضرب والنقود التي منها تنبث وقد يكون فيها من الزيف مالايظهر إلا بعد طول اللبث فليتصد لمهماتها بصدره الذي لايحرج وليعرض منها على المحك من رأيه مالا يجوز عليه بهرج مايعلق من لاذهب المكسور ويروبص من الفضة ويخرج وماأكلت الناركل لحامه أو بعضه فليقم عليه من جهته الرقباء وليقم على شمس ذهبه من يرقب منه ماترقب من الشمس الحرباء وليقم الضمان على العطارين والطرقية من بيع غرائب العقاقير إلا ممن لايستراب فيه وهو معروف وبخط متطبب ماهرٍ لمريضٍ معينٍ في دواء موصوف‏.‏

والطرقية وأهل النجامة وسائر الطوائف المنسوبة إلى ساسان ومن يأخذ أموال الرجال بالحيلة ويأكلهم باللسان وكل إنسان سوء من هذا القبيل هو في الحقيقة شيطان لا إنسان امنعهم كل المنع واصدعهم مثل الزجاج حتى لاينجير لهم صدع وصب عليهم النكال وإلا فما يجدي في تأديبهم ذات التأديب والصفع واحسم كل هذه المواد الخبيثة واقطع مايجدد ضعفاء الناس من هذه الأسباب الرثيثة ومن وجدته قد غش مسلماً أوأكل بباطل درهماً أو أخبر مشترياً بزائد أو خرج عن معهود العوائد أشهره في البلد وأركب تلك الآلة قفاه حتى يضعف منه الجلد وغير هؤلاء من فقهاء المكاتب وعالمات النساء وغيرهما من الأنواع ممن يخاف من ذئب العائث في سرب الظباء والجآذر ومن يقدم على ذلك ومثله وما يحاذر ارشقهم بسهامك وزلزل أقدامهم بإقدامك ولاتدع منهم إلا من اختبرت أمانته واخترت صيانته‏.‏

والنواب لاترض منهم إلا من يحسن نفاذاً ويحسب لك أجر استنابته إذا قيل لك من استنبت فقلت هذا وتقوى الله هي نعم المسالك ومالك في كل ما ذكرناه بل أكثره إلا إذا عملت فيه بمذهب مالك‏.‏